الفساد.. ظاهرة عالمية لا ينحصر بشعب ودولة دون شعوب ودول اخرى. صحيح ان ثمّة تفاوتا في التورط بهذه الآفة بين شعب وشعب او بين دولة واخرى، الاّ ان الجميع متفق على ان الفساد هو واحد من أهم الاسباب، ليس في اضعاف الوطن وخلخلة قواعد الدولة فحسب، وانما كذلك.. تكريس للظلم وغياب العدالة وامتهان لقيمة المواطنة بكل ما تجسده من معاني الحقوق والواجبات!!
السماح باستشراء الفساد هو..

وايا كانت الذرائع والاسباب، بمثابة الدعوة الى تخريب الوطن ودولة الوطن، من خلال تخريب النفوس وتشويه القيم وتلويث المفاهيم والاعراف الاجتماعية، التي لا تنهض بلاد ولا تنتصر نهضة الاّ برسوخ مضامينها الحياتية وتقاليدها الراقية وضوابطها المستمّدة من الايمان بالامة والثقة بها، وجعل مصالحها العليا فوق كل مصلحة فردية او فئوية!!.

ووجود فساد أمر غير مستغرب وغير خطير، في حال كونه مجرد حالات فردية في المجتمع، اما حينما يتمّ التهاون في معالجة الحالات الفردية والتصدي لها، جدّيا وجذريا، فانها تتحوّل الى
ظاهرة عامة. وهنا.. الغرابة.. وهنا مكن الخطورة!!.
اما معالجة الفساد والتصّدي له، فينبغي الاّ يقتصر على الجانب الجزائي فقط. ذلك ان القانون الجزائي في أي مجتمع وفي اي دولة، بالرغم من اهميته وضرورة تفعيله، تظل مهمته سلبية اذ تنحصر بمعاقبة المرتكبين الفاسدين، ولا تتعداه الى خلق مواطنين صالحين مخلصين منزهين عن الانجرار وراء سوءات الفساد واغراءات المناصب بقصد الفوز بالنفوذ القادر على تلبية مطالب النفس الملوثة الامّارة بالسوء!!.

ان بناء النفوس والاخلاق المؤهلة لقيادة الدولة وتسيير شؤونها المتنوعة، هي من مهمات الفلاسفة والمفكرين ورجال الاصلاح والطلائعيين المسكونين بهاجس الامة وفلاحها وخيرها العام والغيرة الشديدة على مستقبل البلد واجياله الطالعة والقادمة!!.
لذلك كنا ولم نزل، نلفت نظر »الاصلاحيين« الذين يتوهمون بان الاصلاح يمكن ان يتم بكبسة زر او.. عزل موظف او سجن مؤتمن، بأن الامر أعمق من ذلك وأبعد واشمل ويحتاج الى تخطيط واع ووقت كاف!.

ان القضاء على الفساد والافساد، يستوجب ان يكون هناك حالة اصلاح عامة في المجتمع. ومثل هذه الحالة من الاصلاح تحتم ان يسعى لترسيخ دعائمها ومفاهيمها وتقاليدها، مواطنون واعون صالحون مخلصون مترفعون عن المساوىء السياسية والامراض الاجتماعية، من انانية وطائفية وعشائرية و.. الخ. اذ ليس من اصلاح مادي حقيقي قبل ان يكون مسبوقا وقائما ومستمدا من اصلاح نفسي عميق شامل!!.

هذا.. في الحالات والفترات العادية والسلمية التي تمرّ بها الشعوب والمجتمعات. اما عندما لا تكون الحالة كذلك، كأن يكون المجتمع في حالة حرب او في حالات الكوارث الطبيعية الكبرى او في سياق تحرير الوطن من الاحتلال والاغتصاب والعدوان، كما هو الشأن الان في فلسطين والعراق، فان أمر الفساد والافساد يصبح اشد خطورة واشمل كارثية وابعد اثرا وتأثيرا في مسيرة التحرير ومصير الغاية المقدسة!!

التحرير.. يقوم به مواطنون شرفاء متحررون الا من الهدف الاسمى وهو انقاذ الوطن والمواطنين، ولا يمكن ان يُسمى محررا مناضلا عاملا للتحرير، كل من انتهز عملية التحرير وبناء الدولة بناء يليق بحجم الدماء والتضحيات التي بُذلت لاجلها، للانقضاض على استغلال الفرص المتاحة، لقنص المغانم والفوز بالامتيازات على انواعها التي ربما بلغت بعض الاحيان درجة الخيانة والمساومة على الارض التي يُراد تحريرها!!

اقول هذا وامامي تصريح النائب العام الفلسطيني احمد المغني الذي كشف ان حصيلة التحقيق في 27 ملفا من ملفات الفساد الاداري والمالي، من اصل نحو 50 ملفا، تبلغ 700 مليون دولار »... تم هدرها ولم تُسرق مباشرة من خزانة السلطة« على حد تعبيره؟!
وعلى افتراض تسليمنا بنظرية الهدر، وليس السرقة، فهل يكون الهدر اخف جرما وإثما من السرقة؟!! وهل السرقة لا تسمى سرقة الا اذا دخلت خزانة السلطة؟!! وماذا عن عشرات بل مئات الملايين التي لم تدخل خزانة السلطة ومع ذلك فقد جرى شفطها والاستيلاء عليها من قبل امراء الثورة والتحرير؟!!

المطلوب الان.. الان وليس غدا، هو ان تبادر المحكمة بسرعة البت في هذه القضايا الجرمية، فلا يظل الشعب الفلسطيني المنكوب بوحشية الاحتلال وسفالة الانتهازيين المتاجرين بدماء الشهداء وعذابات المناضلين، معنيا ومهتما الا بمواجهة الاحتلال ومقاومته، بعد ان يكون قد ضمن انتصار العدالة في البلد الذي يجري تحريره!!

ونحن هنا لا ندّعي ان الفوز بالعدالة، امر سهل وهيّن، ولكن قوة الشعب.. تظل اقوى من كل الانتهازيين والسماسرة واللصوص!