المرحلة الانتقالية من نظام الحزب الواحد إلى التعددية السياسية, من نظام سلطة أجهزة الأمن إلى دولة القانون, مرحلة صعبة ومعقدة ولا توجد لها وصفة ثابتة وقوانين دقيقة.

هذا الانتقال الذي نعيش الخطوات الأولى لبدايته يتطلب حكمة فائقة وحنكة سياسية عالية, وقبل كل شيئ يتطلب خلق الظروف المسرّعة لنجاح وتخطي هذه المرحلة بأقل الخسائر وبأسرع وقت ممكن.

من أجل ذلك يجب الانطلاق من الأهداف العامة التي تجمع كل(أكثر) قوى المعارضة السورية, ويجب التأكيد ومعرفة الحقائق التي يجب الارتكاز لها وعليها, وهي-برأيي- معرفة وفهم العنوان الرئيسي العام التالي من أينا وانطلقنا وإلى أين نريد الوصول! وعلى أساس ذلك ومن خلاله يجب وضع وتسخير كل الإمكانيات السياسية والتكتيكية لخدمته.
علينا معرفة حقيقة قوى المعارضة, ولنعترف بشجاعة أن المعارضة السورية ضعيفة, وسبب ضعفها ذاتي وموضوعي, ولا أريد الدخول بأسباب الضعف هذه.

لكن هذه المعارضة وحدها وبتنوعها, وأحياناً بتنافرها الحالي غير قادرة على التغيير, أو بأفضل الحالات يشك بإمكانيتها على التغيير خلال فترة قصيرة نسبياً, والوطن المغتصب والشعب ما عاد يستطيع الانتظار حتى تقوى المعارضة وتطيح بالنظام!

إن الهجوم الحاد الذي شنته أكثرية المعارضة على عبد الحليم خدام-وهو هجوم مشروع ومفهوم- وأنا شخصياً كنت وما زلت مع هذا الرأي وكتبت عنه, لكن دعوني أفكر بصوت عال وهو أن هذا الاستبعاد والهجوم على خدام وأحياناً أكثر من الهجوم على النظام قد يعرقل ولا يشجع بعض الرموز الموجودة داخل النظام للخروج منه واتخاذ مواقف شبيهة بموقف خدام.
إن ما قدمه خدام بعد خروجه من نظامه هو إدانة دولية لنظام الأسد وتعريته, وكانت نتائجها الإعلامية أكبر بكثير وأقوى من صوت المعارضة وتأثيرها داخلياً وخارجياً!

الموقف المطلوب اليوم من المعارضة السورية-وآمل أن أكون مصيباً- هو الاستفادة من كل ثغرة وخطيئة في النظام السوري, هو دعم كل صوت وفرد يحاول الخروج من قطيع الأسد وأسرته, أو كما يقال في المثل الشعبي-والمعذرة على هذا التعبير- "كلب ينبّح معنا أفضل من كلب ينبّح علينا"!
المرحلة الانتقالية هذه تحتاج إلى حكمة فائقة في التعامل مع كل دقائق الأمور السياسية اليومية, تحتاج إلى الإسراع بوضع قاسم مشترك لكل قوى المعارضة.
المرحلة حتى الآن كانت مشكلتها هي الإطاحة بالديكتاتورية وهذا أمر يتفق عليه الجميع, لكن المشكلة الأكثر أهمية هي موضوع بناء الديمقراطية وبناء دولة القانون.

على المعارضة وضع تصوراتها وبرامجها للمرحلة الانتقالية ولمرحلة ما بعد الديكتاتورية.
على المعارضة وعلى كل فريق منها على حدة وضع خطط دقيقة وواقعية قابلة للتنفيذ من أجل إتمام مرحلة-من نظام الحزب الواحد إلى التعددية السياسية-
على المعارضة الخروج من الشعارات والأهداف العامة والدخول بالتفاصيل والوسائل الكفيلة بتحقيق تلك الأهداف والشعارات.

على كل الذين يشعرون بالمسؤولية تجاه سورية وشعب سوريا العمل خارج ردود الأفعال والإنفعال.
على المعارضة عند وضع برامجها بدقة أن لا تقوم بممارسة أساليب سياسية شبيهة بسياسة النظام, عليها أن تبتكر أساليب جديدة ولغة جديدة,عليها أن تكون واقعية بكل شيئ كي لا تكون نتائج التغيير خالية من التغيير, وبالتالي يدخل الشعب في حالة الإحباط واليأس من التغيير!
على المعارضة أن تكون صريحة جداً مع الشعب, ومن حق الشعب السوري أن يعرف حقيقة الواقع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والقانوني بكل دقائقه!

وعلى المواطن أن يعرف الطريق الذي يخرجه من هذا الفقر والاضطهاد, وفي نهاية المطاف هدف التغيير وبناء الديمقراطية هو سعادة للمجتمع سواء السعادة الروحية أو المادية!
وعلى الذين يتابعون الشأن السوري من الكتاب والمراقبين والمتابعين-وهنا أؤكد على كل المتعاطفين والمؤيدين لقوى المعارضة خاصة- أن يكونوا أكثر دقة في طرح هذه أو تلك الفكرة, في تقييم هذه أو ذاك الموقف, وعدم أخذ النتائج والحكم النهائي على هذا أو ذاك التصريح لهذا أو ذلك السياسي المعارض! ويجب الانتباه كثيراً كي لا تتم عملية تلميع لهذا المعارض واصطياد أخطاء ذاك!!
لنكن واقعيين ونعترف أن الجميع يتعلم الحوار الديمقراطي فلنتعلمه من بعضنا بروح رياضية, لأننا نريد الخلاص من الاستنساخ!

مسؤولية من يكتب أو يطرح رأيه حول المعارضة والتغيير في سوريا أن تكون دقيقة وبعيدة نظر وغير إنفعالية, على من يكتب أن يساهم ولو بقسط قليل جداً بالعمل والمساعدة على بلورة موقف يقرّب قوى المعارضة ويدفعها نحو العمل الأفضل, وعدم تكبير الأخطاء وتسليط الأضواء على إيجاد القاسم المشترك لإنجاز الهدف المشترك, وهو الإطاحة بالديكتاتورية وسلطة المخابرات والفساد,
ورغم قناعتي أن السلطة السورية تعمل لزرع الخلاف وزرع بعض ضعاف النفوس في هذا أو ذاك التجمع المعارض, ولا أستثني من ذلك من يكتب حول المعارضة ويظهر المحبة والغيرة على عمل المعارضة!
لا أريد تخوين أحد, لكن المطلوب هو تسخير كل الجهود والإمكانيات لتحقيق الهدف المشترك والقاسم المشترك, وعدم هدر الجهود في صراعات جانبية تضعف قوى المعارضة.
إن إضعاف أية جهة تنادي بالتغيير وبناء دولة القانون هو إضعاف للجميع, هذه المرحلة يجب أن تستقطب أكبر عدد ممكن من الذين يعملون أو حتى يرغبون بالتغيير!

وبعد الانتهاء من المرحلة الانتقالية ستتحدد تلك القوى والأفكار القادرة على المتابعة لبناء الدولة العصرية الديمقراطية وذلك على أساس العملية الديمقراطية.
على قوى المعارضة وأنصارها دراسة التجارب التي مرت بها الدول والشعوب التي عانت من سلطة الحزب الواحد واستطاعت الانتقال إلى التعددية السياسية!

على المعارضة تشجيع أي شخص مازال في السلطة أو قريب منها على الإنظمام لحركة التغيير,
على المعارضة أن لا تحكم حكماً قطعياً على هذا أو ذلك الشخص, وترك الحكم النهائي للشعب فيما بعد, المهم الاستفادة من كل صوت يصب في نهر التغيير, ومن جهة أخرى التأثير على الشعب الصامت كي يبدأ الكلام, كي يجرب صوته بكلمات غير كلمات الدم والروح والولاء....
التأثير على الغالبية الصامتة كي تتعلم النطق والتفكير أكثر, التأثير على الغالبية وإقناعها بأن التغيير ممكن وهو لمصلحتها ولمصلحة الوطن!
على المعارضة التركيز على الداخل أكثر من التركيز على الخارج!

لكنه يجب الاستفادة من الدعم السياسي والديبلوماسي الخارجي, يجب شرح وتوضيح لكل المعبأين بالشعارات القومية والوطنية أنه لأول مرة يصرح علناً مسؤولين إسرائيليين عن رضائهم عن النظام السوري ودعم بقائه كما هو!!!
على المعارضة إيجاد الفرصة الأولى التي تشجع الناس للخروج للشارع ليس لترديد الشعارات السلطوية و"العلاك المصدّي" بل للمطالبة بحقوقها.
على المعارضة العمل لكسر عقدة الخوف من التعبير عن الرأي.
إذا استطاعت المعارضة تحريك الناس-ولو بنسبة صغيرة في البداية- للخروج والاعتصام المدني السلمي, ستكون عندها عملية العد العكسي للنظام أكثر وأكثر!
على المعارضة وضع شعارات موحدة ومدروسة, مثلاً:

عام 2006 عام التغيير الجذري, شهر آذار شهر المعتقلين السياسيين (عددهم, ظروفهم, التعذيب, فترة الاعتقال, السبب......., شهر نيسان شهر تسليط الضوء على الفساد في الدولة (أرقام, دراسات, مقارنات بين أموال هذا المسؤول وإمكانية بناء عدد من المدارس أو المستشفيات أو ماشابه ذلك....., شهر أيار شهر تسليط الضوء على مشاكل الشباب وواقعهم وظروفهم....., وهكذا مخاطبة كل شرائح المجتمع وبالمقابل فضح النظام وممارساته وظلمه!!
شرح دقيق لمؤسسات الدولة, عملها ونهبها وفسادها....., الوضع الزراعي ومشاكله......,
النقابات والمنظمات الشعبية-رغم هيمنة النظام عليها- ومشاكلها وجدية عملها والدور الممكن أن تقوم به في ظل الديمقراطية....,

بكلمة مختصرة وضع برنامج (برامج) للاحتكاك بكل قطاعات المجتمع الرئيسية والتحالف معها من أجل التغيير.
على المعارضة الاستفادة من السوريين المقيمين في المهجر للتنسيق معهم وتحريكهم-كل في بلد هجرته- للعمل السياسي الدعائي والاتصال والتنسيق مع منظمات حقوق الإنسان الدولية ومع الحكومات والمنظمات الحزبية والشعبية في بلاد الاغتراب(الهجرة), وطلب الدعم المعنوي والسياسي من تلك الحكومات والمنظمات للمساعدة على التغيير السلمي وعزل النظام سياسياً وديبلوماسياً أكثر مما هو عليه الآن!!

على المعارضة مهمة صعبة جداً وهي ابتكار أساليب جديدة وذكية قادرة على تقويض سلطة الحزب الواحد وتقويض سلطة المخابرات الحاكمة والفساد المرتبط بها.
وأكثر ما أخشاه-وآمل أن أكون مخطئاً- هو أن بدلات وبناطلين وربطات عنق بعض-زعماء- المعارضةغير قادرة على العمل المطلوب وغير قادرة على الارتقاء إلى المهمة والمسؤولية المرجوة والتي ينتظرها الوطن وتنتظرها جماهير المعارضة.
وأخيرأ ومختصراً على كل فئة من فئات المعارضة دراسة عناصر قوتها وضعفها وما هي الامكانيات التي يجب الاستفادة منها والانتباه إلى المخاطر التي قد تواجه عملها, وهذه الأمور صحيحة على عملها المشترك وعلى تنظيمات الداخل والخارج, ودراسة تلك العوامل عن النظام وإيصالها للمجتمع بأسلوب مفهوم ودقيق!

مسؤولية المعارضة حالياً أكبر بكثير من مسؤولية السلطة تجاه الوطن والشعب,
وإذا استوعبنا النظرية في علم الاجتماع التي تقول: 1+1=11 لاستطعنا إدراك أهمية توحيد قوى وجهود المعارضة حول الأهداف المشتركة وعلى قاسم مشترك لأن الوطن وقيمه المشتركة, وبأطيافه الدينية والقومية المختلفة والمشتركة, وبناء المستقبل مسؤولية مشتركة!
وأنا شخصياً على قناعة تامة أنه فقط بتوحيد جميع الأصوات التي تنادي بالتغيير يمكن إنجاز المرحلة الحالية لتقرير المصير!