نجيب نصير

يتم تداول مصطلحي الأقلية والأكثرية هذه الأيام أي بعد تقادم ونسيان تجارب برلمانية وسياسية مضت، بنوع من اللجوء إلى اللغة كمرجع تفسيري لمصطلحات تقنية مستحدثة، وقد يطالعنا متداول أو مفسر ينطلق من كثر الشيء اي زاد وزنه أو طوله أو عدده داخلا في معمعة فقه اللغة على أساس أنها مصدر الأشياء والا فقدنا التفاهم نحن بني الآدميين والتفاهم يتم بالرجوع إلى اصل الأشياء وليس كما آلت إليه عبر الزمن.

بالعودة إلى مفهوم الأكثرية والأقلية السياسي وليس الغوي المجير سياسيا، نلحظ أولا عدم الثبات أي التغير حسب المنجز الموعود لأكثرية حازت على ثقة انتخابية، أي أن المفهوم السياسي للأكثرية هو مفهوم مؤقت قد يتغير حسب الترمومتر السياسي الذي يفضي للحصول على هذه الأغلبية أو الأكثرية، ومنه يمكن للأقلية أن تشكل أغلبية توافقا أو انتخابا، لذلك يبدو الكلام عن أكثرية وأقلية لغويا مصمطا راكدا غير قابل للتغير أو التحول أو التطور، مهما كانت مثالب هذه الأغلبية أو تلك لأنها ناتجة عن تدحرج كمي ثابت مهما كانت صفاته النوعية ما يفقد أي تفكير عقلاني فائدته خضوعا للضغط الفيزيائي الذي تتكىء عليه هكذا أكثرية، وليتحول الارتقاء السياسي الحقوقي إلى ارتقاء مشروط أو مسقوف بأولوية الأكثرية الكمية التي يحق لها احتكار الحق والعلم إلى ما لا نهاية، فالأكثرية بالمفهوم الكمي يحق لها تقرير ما تشاء ما يعيدنا إلى الاستبداد وذلك بسبب عدم إمكانية الديمقراطية تصحيح مسارها بناء عل حق الأكثرية بالقرار.

من جهة ثانية تفقد الأكثرية الكمية قيمة تمثيلها للمجموع، لأنها تتكىء على عدم صلاحية الأقلية في تمثيل المجموع ليس لأنه لم يحصل على الأغلبية ولكنه هو نفسه ليس أغلبية، حيث تكتنه هذه النظرة قطيعية تشريفية ومسبقة للكم أثناء الأداء السياسي فالأقلية هي مهزومة بالفعل السياسي وعليها الامتثال صاغرة للأكثرية حتى ولو فقدت هذي الأكثرية تمثيلها للمجموع.

من جهة ثالثة يخضع مفهوم الأغلبية والأقلية المستحدث لمفهوم المواطنة لأنه بالأساس مفهوم سياسي حقوقي مبني على الاختيار وليس على صفات مسبقة أو متوارثة، كما يخضع هذا المفهوم إلى البرامج والمبادرات والوعود السياسية والخدمية وليس إلى قيم إيديولوجية ثابتة. فوجود الأغلبية في الأداء السياسي ينكبها مسؤولية أدار الحياة العامة وهي بنفسها ضد الثبات فالمتغيرات كثيرة ومتراكمة وتقود إلى ألازمات، والحل الحقيقي الذي تتمكن منه الأكثرية الكمية المسبقة هو إدارة هذه ألازمات وليس حلها وهو طريق آخر للولوج إلى الاستبداد حتى لو كان أكثريا ( دكتاتورية البروليتاريا أو غيرها مثالا )

من جهة أخرى والتي نعاني منها ودائما على المستوى الثقافي المجتمعي، هو تأبط المصطلح الحديث أو اختطافه والسير في خلفا في الزمن للبحث عن مرجعية تراثية تستطيع تشخيصه ( تبسيطه ) كي يصبح مقبولا في الحاضر، ما يستحضر مشاكل وأزمات ليس لها أول من آخر، ناتجة عن التناقض بين التوق لأداء ناجح حاضنته المعاصرة وغايته المستقبل مع أداء ناجح حضنه الماضي التليد وشرف مطابقته أو تكراره، لذلك يبدو مفهوم الأغلبية الذي نتداول مصطلحاته اليوم ممسوخا ومنزوع الدسم ومجوف، لأنه مبني على جدل منتهي الصلاحية أصلا من جهة، ولا يمكنه إنتاج مؤسسة معاصرة من جهة أخرى، ويلغي الاختيار السياسي للفرد الذي هو أساس تصنيع الأغلبية والأقلية.

إذا كنا نتوق إلى عملية سياسية معاصرة ؟ فعلينا أن نصنعها بالوعي والعقل وليس باللجوء إلى قطعان الأصوات المستثارة أو الخائفة، للحصول على أغلبية ثابتة ومسبقة ومستدامة، وانه من الجرأة بمكان وليس من الصدق والوجدان والضمير فحسب أن تكون الأغلبية ناتجة عن برامج سياسية واضحة يستطيع المواطن الفرد أن يقرر هو بنفسه ما يريد، وليس ككائن مسبق الصنع عليه أن يندرج في قطيع اختير، وعلى من يريد أن يتكلم في السياسة أن يكون ملما بها على الأقل.