عندما ننظر الى رفيق الحريري الشهيد، نتذكّر انه كان، رئيساً، أكبر من لبنان الدولة. ولكن اليوم، نتساءل، هل أصبح، أو هل يصح أن يصبح أكبر من الوطن؟

ثم نتذكّر اننا، نحن واياه معاً... نحن الوطن!

والتحدّي، في ذكرى استشهاده، أن نكون، ونثبت اننا كلنا في حجم الشهادة.

يكتسب هذا التحدّي بُعده الاقصى حين نرى كيف تسير الدولة على درب أزمة حكم تهدد الوطن بالزوال. ومعالم الأزمة – ولنتصارح – تبدأ في طبقتها السفلى، من تناقض المواقف (والمعلومات) عن تظاهرة كان يراد لها ان تكون سلميّة فاذا بها تتحول، في لحظة غفلة، مشروع فتنة لم تقع... ولولا حكمة الذين حالوا دون الفتنة لعدنا الى زمن "حروب الآخرين على أرضنا"، بل بأرضنا وأجسادنا والعقول والقلوب!!!

هذا على الطبقة السفلى للأزمة...

وتتصاعد مراتب أزمة الحكم لتصل الى طبقته العليا حيث وضع رئيس الجمهورية السلطة التنفيذية التي يمثّل بل يرئس، في مواجهة دستورية مع السلطة الاشتراعية التي أعاد اليها قوانين ثلاثة اشترعت بما يوازي اجماع النواب، ومع "فذلكة" يدعي فيها ان هذه القوانين تخالف الدستور، في حين السلطة الاشتراعية، أي مجلس النواب، هي المؤتمنة المؤمّنة على السيادة الدستورية... فهل ثمة مخرج من الأزمة؟

وكيف؟

المرجّح أن يعيد مجلس النواب الاقتراع بالموافقة على القوانين التي اشترع، فتصبح نافذة سواء وقعها هذه المرة رئيس الجمهورية أم لم يوقّع. وفي وسع الرئيس اذذاك ان يستمر يعاند، فيشل تنفيذ القوانين بالامتناع عن اتخاذ تدابير تنفيذها.

فأين سلامة الدولة والحكم اذا استمرت المواجهة؟ ولعلها ستستمر... أوَلا يكون رئيس الدولة قد زج بنفسه وبالرئاسة والحكم في مأزق لا نرى مخرجاً منه سوى خروجه، أو اخراجه. لأنه يضع نفسه في الحال التي يصفها الدستور بـ"استحالة ممارسة الحكم"؟... لا حكمه فحسب، بل حكم السلطة القضائية التي يعطلها بينما دماء الشهداء على الارض لم تجف بعد وليس من يُمنح ولو صلاحية السير في التحقيق العدلي وهو الطريق الى العدالة التي هي شعار الحكم الدستوري لأنها صنو الحرية والحقوق؟

ليس المهم عند هذا الحدّ ان يستقيل رئيس الجمهورية (والحجة السمجة السخيفة اللا-ديمقراطية التي يقدمونها هي انه يجب الاتفاق على خليفته حتى يستقيل!!!) بل المهم ان نحصّن الوطن باستقامة مؤسساته وتكاملها، فلا تؤدي العدالة الفالتة الى استحالة تنظيم الأمن، وتتكاثر الصراعات العنادية في مجلس وزراء صار شبه مشلول بحيث بتنا نخشى ان يكون الوطن مرة أخرى في مهب رياح الفتن والمؤامرات كما كان يوم "الأحد الأسود". وقد تتكرر المؤامرة ولا تتكرر أعجوبة الانقاذ!...

المطلوب، في ذكرى استشهاد رفيق الحريري، أن نتجاوب مع استشهاده بما هو في حجم شهادته، أي في حجم الوطن وأكبر من حجم الدولة ورئيسها. ونخرج نحن بالحكم والرئاسة (غير المعترف بشرعيتها دولياً!) من المأزق الدستوري، ولا ننتظر خلافةً يطرحون مسألتها لإقامة عثرة أخرى وعقبة في طريق استقامة الحكم... ولو بدا الأمر ثورياً... في حين ان "الثورية" – بالمعنى السلبي – هي ان يصير رئيس الدولة في غدٍ. لعله قريب، موضع "تحقيق" عدلي جرمي (ولا حاجة بعد الى أن نقول موضع اتهام) بينما هو يشلّ الحكم عمداً بخلافٍ وزاري مأزقي، ربما للتغطية وكسب الوقت.

انقاذ الوطن يستأهل ذلك وأكثر... أو نكون جميعاً مسؤولين عن تشريع الأبواب أمام العواصف الدستورية العاتية.

إلا اذا ارتفعنا الى حجم مواجهة التحدي... تحدي التضحية بالقشور من أجل أنقاذ الجوهر: أي العدالة، فالحقوق، فالديمقراطية وحرية المواطن التي هي قاعدة حرية الوطن واستقلاله.

الكلمة الآن للسيادة الوطنية وهي في متناول مجلس النواب.

ويرافقها "الحوار الوطني"، ولا بأس ان يتزامن الأمران.