اجرى الرئيس السوري بشار الاسد الاسبوع الماضي تعديلا جزئيا في حكومته وفي طاقم مساعديه الكبار كان ابرز ما فيه تعيين وزير الخارجية فاروق الشرع نائبا لرئيس الجمهورية مكلفاً الاشراف على السياستين الخارجية والاعلامية وتعيين نائب وزير الخارجية السفير الاسبق في واشنطن وليد المعلم وزيرا للخارجية. وطبيعي في حال كهذه ان يحاول السوريون وغير السوريين من مواطنين ومسؤولين ومراقبين ومحللين معرفة ابعاد هذا التعديل الجزئي وخلفياته وكذلك الاهداف التي يسعى الى تحقيقها اولا لان سوريا ليست جزيرة منعزلة عن محيطها والعالم. وثانياً لان ما يجري فيها يمكن ان يؤشر الى اوضاع داخلية معينة والى احتمالات تغيير في عدد من السياسات. وثالثا لان اي تطور داخلي في سوريا لا بد ان تكون له انعكاسات على محيطها وعلى المنطقة بل على علاقاتها بالمجتمع الدولي كله وخصوصا على لبنان الذي لم تقتنع القيادة السياسية السورية العليا ان دورها فيه، على الاقل في شكله السابق قد انتهى الى غير رجعة والذي لا تزال تدعم حلفاء لها فيه كي يستمروا في مواجهة التغيير الذي بدأ في 14 آذار الماضي بعد شهر من اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري او بالاحرى في منعه من الاكتمال والذي صار من جديد ساحة صراع بامتياز بين الحلف المتجدد السوري – الايراني من جهة والمجتمع الدولي بزعامة الولايات المتحدة من جهة ثانية. ومحاولة المعرفة هذه لا تعكس على الاطلاق رغبة في التدخل في الشؤون الداخلية لسوريا كما قد يحلو للبعض ان يظن ذلك ان ما يهم اللبنانيين اليوم ومن قبل اليوم هو ان تكون العلاقات بين بلادهم ووطنهم بل دولتهم سليمة ومتكافئة وندية مع سوريا ايا يكن النظام الحاكم فيها وان لم تعكس ذلك في الاشهر القليلة الماضية مواقف عدد من قادة 14 آذار او من قادة التغيير في لبنان، علما ان هذه المواقف كانت في رأي الكثيرين من متابعي الاوضاع في لبنان وسوريا مبررة كونها اتت في سياق الدفاع عن النفس وعن البلاد ضد الهجمة الشرسة لتبديد التغيير الذي حصل وللحؤول دون وصوله الى نهاياته.

انطلاقا من ذلك ما هي النتائج المرتقبة للتعديل الجزئي في القيادة السورية المشار اليه اعلاه؟

لا يمكن ومنذ الآن التحدث عن نتائج نهائية، لان عمر التعديل لا يزال اياماً ولأن الممارسة وخصوصا في حقل السياسة الخارجية والاعلام هي التي ستحدد في النهاية سطحيته او عمقه. الا ان ذلك لا يمنع السعي الى تصور النتائج المرتقبة. وتصور كهذا يقود الى جوابين او بالاحرى الى نتيجتين متناقضتين، النتيجة الاولى ايجابية ويتبناها "المتفائلون" من لبنانيين وسوريين وجوهرها ان التعديل قد يساعد في تصحيح العلاقة المتردية بل المتوترة بين سوريا واميركا او على الاقل قد "يشق" طريق تصحيح كهذا. والدافع الى هذه النتيجة المتفائلة هو معرفة الوزير الجديد للخارجية وليد المعلم (ابو طارق) باميركا التي مثل بلاده فيها قرابة عقد من الزمن وفي مرحلة بالغة الاهمية من المفاوضات السورية – الاسرائيلية في اطار عملية السلام. وهو ايضا نجاحه في اقامة علاقات شخصية جيدة وعلاقات عمل جيدة مع المسؤولين الكبار في الادارة الاميركية وتاليا نجاحه في اكتساب صفة الديبلوماسي المحترف والهادىء القادر على الحوار وان من موقع الاختلاف وعلى حماية مصالح بلاده وعلى فتح الطرق عندما كانت الاختلافات تؤدي الى اقفالها. وهو ثالثا كان قريبا من الرئيس الراحل حافظ الاسد وعلى علاقة مباشرة معه والتي تجاوزت احياناً كثيرة الروتين الوظيفي بل الهرمية الوظيفية. وهو رابعا، العلاقة الجيدة التي نسجها المعلم مع الديبلوماسيين العرب العاملين في واشنطن والوافدين اليها الامر الذي يجعل الحكومات العربية على استعداد للتعامل مع رجل مبدئي بحكم تمثيله نظاماً "مبدئيا" على حد وصف اركانه له ومع رجل واقعي وعملي وبراغماتي بحكم طبعه وتركيبته الشخصية.

اما النتيجة الثانية فسلبية ويتبناها المتشائمون من لبنانيين وسوريين ايضا. وجوهرها ان التعديل الجزئي في الحكومة والقيادة السوريتين المشار اليه اعلاه لن يقدم الكثير على صعيد ازالة التوتر في العلاقة بين دمشق وواشنطن ولن يضع العاصمتين على طريق التطبيع الفعلي. والدافع الى نتيجة كهذه هو ايكال الاشراف على السياستين الخارجية والاعلامية السورية لنائب الرئيس الجديد فاروق الشرع. فالأخير يعتبره مسؤولون كبار في العالم الاوسع وحتى في العالمين العربي والاسلامي فضلا عن المنظمات الدولية مسؤولا وعلى نحو مباشر عن فشل السياسة الخارجية السورية وعن العزلة الدولية التي تجد سوريا نفسها فيها اليوم. وانطلاقا من ذلك يمكن اعتبار تعيين المعلم وزيرا للخارجية ترفيعا له او ترقية اكثر من كونها اشارة جدية الى تغيير مهم في السياسة الخارجية او على الاقل الاستعداد لادخال تغيير ما عليها وعلى اسلوب ممارستها. وما يعزز ذلك هو تاريخ العلاقة بين الشرع والمعلم والتي لم تكن جيدة معظم الاوقات والتي دفعت بالاول الى الافادة من ظروف معينة و"معلومات" ساهم في توفيرها "لبنانيون" لإزاحة الثاني من واشنطن. والدافع الى توقع نتيجة سلبية ايضا هو ان دور وزير الخارجية او وزارة الخارجية في سوريا في صنع او في رسم السياسة الخارجية ضئيل بل قليل وحتى منعدم كما دور سائر الوزارات. فالخارجية يرسم سياستها الرئيس السوري. وهي تبنى على معطيات يوفرها الاركان الفعليون في النظام والجميع يعرفون من هم. ويوكل تنفيذها الى الوزير والديبلوماسيين، وهذا الاسلوب افقد الوزراء على اهمية بعضهم روح المبادرة وروح النقد او على الاقل روح الاشارة الى الاختلاف او الى الخطأ. والمؤشرات حاليا لا توحي ان الرئيس السوري على اهبة مراجعة سياسته الخارجية وليس تغييرها او بالاحرى انه في هذا الوارد.

طبعا، لا يعكس هذا الكلام رغبة دفينة في رؤية سوريا واميركا بل والمجتمع الدولي متجهين الى صدام ما بينهما. فذلك ليس من مصلحة لبنان وليس من مصلحة سوريا، بل يعكس رغبة في طرح الموضوع على حقيقته كي لا "ينغش" اللبنانيون والسوريون وكي لا يقعوا في "فخ" التوقعات المبالغ فيها. فالولايات المتحدة رأت في تعيين المعلم وزيرا للخارجية بادرة جيدة رغم ملاحظاتها الكثيرة عليه اثناء ممارساته بعد نقله من واشنطن الى دمشق وخصوصا حين حاولت القيادة السورية توظيف "سمعته الاميركية" الجيدة في لبنان في العام الماضي. لكنها رأت بادرة سيئة في تكليف الشرع الاشراف على السياستين الخارجية والاعلامية لان ذلك يعطل المعلم ويقيد حركته وخطواته. ويدل ذلك على ان بابها لا يزال مفتوحا للتفاهم مع سوريا خلافا لما تقول مصادر اميركية معينة ولكن لتنفيذ طلباتها وليس لاجراء صفقة تكون على حساب كثير من مبادئها ومصالحها.