كانت علاقات الحريري العربية والدولية محل امتعاض واضح في دمشق، حتى عندما كان خارج الحكومة، حيث كان يستقبل من قبل زعماء فرنسا ومصر وإيران وروسيا وغيرها. وقيل ان بعضهم في دمشق اعتبرها عصيانا وخروجا على النفوذ السوري. لكن الحريري في حقيقته لم يكن يتحدى أو يستعرض سياسيا، بل كان يحاول إيصال رسالة واضحة للجميع، وعلى رأسهم السوريون، انه شخص يملك ميزة الحضور وقادر على المساعدة، وله أن يلعب نفس الدور الإيجابي الذي لعبه إبان الأسد الأب. خلال السنوات الخمس الماضية طرح كوسيط ومساعد لا منافس، وهذا ما لم تفهمه دمشق. إقليميا توسط الحريري سرا بين المصريين والإيرانيين، والسعوديين والإيرانيين أيضا، في قضايا كثيرة لم يكشف عنها بعد. وكان باستطاعة النظام في سورية الاستفادة منه، كونه رجلا يستقبل في الإليزيه والبيت الأبيض والكرملين والديوان الملكي السعودي وقصر القبة المصري وهكذا. الرسالة كانت تفهم بصورة معكوسة، دمشق اعتبرتها استعراض قوة وتحديا، عززها التنازع اللبناني الداخلي والتنافس على قلب دمشق. الحقيقة أن الحريري كان يحاول كثيرا وطويلا، اصلاح علاقته مع دمشق، لكن لا شك ان ادارة الرئيس بشار لم تكن تقبله، ولا تفسر كل افعاله الا على انه خصمها. الحقيقة، ويعرفها كل من عرف الحريري، انه كان يردد في مجالسه الخاصة لا يمكن له ان يكون على علاقة سيئة مع دمشق، ولا أي زعيم لبناني آخر. وحيرته كثيرا كراهية دمشق له ولم يجد لها جوابا حينها الا بإساءته الظن بخصومه اللبنانيين، الذين كان يظن انهم يوغرون صدر القيادة السورية ضده.

العلاقة السيئة بين دمشق والحريري نموذج كلاسيكي لسوء التواصل وسوء الفهم، وسوء العمل بطبيعة الحال. ارتكبت القيادة السورية خطأ كبيرا ليس بمعاداتها لزعيم لبناني وعربي مهم فقط، بل كونه أهم شخصية كان قادرا على مساعدة سورية للخروج من أزماتها السياسية المختلفة، والتي عجز عن حلها من قبل وزير خارجيتها وسفرائها في الدول المعنية.

لم يكن هناك مبرر لمعاداة الحريري، الا التورط في الخلافات اللبنانية اللبنانية، وسوء الفهم الذي قادهم اليه ما اعتبروه من استعراض سياسي ودولي للحريري في رحلاته الخارجية. والذين يلومون الحريري على قرار مجلس الأمن 1559 ينسون ان المشكلة بدأت طويلا قبل ذلك، وأن دمشق ارتكبت أغلاطا كبيرة آخرها كان التمديد غير المبرر لأميل لحود، الذي لم يكن الحليف المسيحي الوحيد لدمشق. هي التي دفعت العديد من اللبنانيين الى الخروج على دمشق، ولم يعد صعبا ان يخرج القرار الدولي بصيغته تلك.

الأكيد أن سورية خسرت حليفا سياسيا بارعا، كان يمكن ان يكون اكبر معين لها في أيامها العسيرة، وعلاوة عليه الصقت بها تهمة قتله بسبب شائعات الكراهية، التي لم تخفها دمشق ضده. وبكل أسف تحل الذكرى الأولى على غياب هذا الرجل الكبير، وكلنا جميعا في أزمة كبيرة، حيث زاد غيابه من عزلة سورية وتسبب في دخولها نفقا مظلما لا أحد يعرف نهايته.