مازن بلال

الفعل الحقيقي لاغتيال الرئيس الحريري لم يبرز فقط في التداعيات السياسية، لأن سرعة الحدث السياسي ظهرت أساسا كشكل يجب ان يترافق مع حجم التحول المطلوب للمنطقة، سواء بعد احتلال العراق، أو منذ أن أظهر الانفجار في بيروت أن الاغتيال ليس جريمة بل أيضا انتهاك للماضي والحاضر.

ما حدث في بيروت قبل عام هو "تشكيل للأزمة" خارج النطاق الاعتيادي، لأننا إذا حاولنا تجاوز "الحقيقة" في من يقف وراء الاغتيال، لأنها من مهام لجنة التحقيق، فإننا سنصل إلى مساحة من الشبهة زرعتها "العملية" داخل المجتمع في سورية ولبنان. ومن هذه النقطة يظهر "تشكيل الأزمة" الذي يحمل كل يوم حدثا سواء كان اغتيالا جديدا أو تبدلا في خارطة التحالف السياسي، أو حتى صورة مشوهة لمستقبل يخترقه التطرف.

فالاغتيال أعاد بشكل سريع طبيعة التفكير السياسي في جدوى التعامل مع جغرافية الشرق الأوسط على قاعدة ظهرت منذ مرحلة الاستقلال لسورية ولبنان، وأظهر الاغتيال أن الانقلاب على المفاهيم ممكن عبر خلق الارتباك السياسي الذي أعاد سريعا صياغة المعادلة السياسية. فهو وإن لم يقدم أي وضعية مستقرة لكلا البلدين، لكنه على الأقل دفع الجميع للتفكير بمرحلة خاصة امتدت أكثر من نصف قرن، كانت فيها التشابكات السياسية والاقتصادية بين دمشق وبيروت تدفع للعمل نحو مساحات جديدة.

ربما تغيرت الصورة اليوم بشكل جذري، ليس بسبب الأخطاء السورية في لبنان، ولا بسبب الاتهامات اللبنانية لسورية، ولا حتى بسبب الحاجز النفسي الناشئ. فالأزمة اليوم تتمحور حول جدوى التعامل بين البلدين وهو موضوع التساؤل طالما ان القضية أصبحت بحجم الانفجار الذي هز بيروت قبل عام، أو بطبيعة التصريحات للبعض لـ"إسقاط النظام في سورية".

لا يمكننا اليوم أن نهمل ما يقف وراء التصريحات على جانبي الحدود اللبنانية – السورية من صورة غائمة للمستقبل، فالمسألة لم تعد تدخلات خارجية، بل ارتجاج ايضا في طبيعة الرؤية لمسألة "السيادة" التي تبدو أنها أصبحت رهينة "جريمة الاغتيال" ... فسورية تريد الحفاظ على سيادتها ضد التشكيل القادم من خلال لجنة تحقيق، ولبنان يريد تأكيد سيادته من خلال الصورة الجديدة التي يبدو أن لم تزل عائمة داخل ساحة الصراع الداخلي.

بعد عام على اغتيال الحريري لم تعد المسألة معرفة الحقيقة فقط، لأن التجريم الحقيقي وجه إلى مستقبل البلدين والطبيعة التي تحكم العلاقة بينهما، ومهما كانت نتيجة التحقيق فإننا سنواجه بشكل دائم "شكل الأزمة" بصورتها الجديدة التي برزت بعد الاغتيال.