من يعمل في الشأن العام يدرك تماما ان اغتيال رفيق الحريري يتجاوز الحسابات السياسية اللبنانية .. ومن يحاول فقط رؤية السقوط الاستراتيجي للمنطقة منذ احتلال العراق يعرف تماما أن تاريخ الاغتيال هو قفزة سياسية جديدة. فالخارطة السياسية اللبنانية ظهرت بشكل جديد وبدأت ملامحها تتحول منذ اللحظة الأولى للانفجار.

لا يهم اليوم النظر نحو تراتبية الأحداث التي قادت باتجاه الاغتيال، وما حدث على امتداد عام كامل، أو حتى للصور المتلاحقة التي أنتجته، فبعد "التدويل" بات واضحا أن مفاهيم "كسر الإرادة" للمجتمع هي التي تسيطر على طبيعة الحدث.

التورط في الاغتيال ليس مهما .. والاستباحة للشارع السياسي لم تعد مهمة لأن الخارطة السياسية القديمة بدأت تزول تدريجيا .. كما ان الحديث عن السلم الأهلي شأن لم يعد ينتمي إلى حلقة الأحداث الحالية .. فاغتيال الحريري كان الحلقة الجوهرية في إنهاء وضع سياسي عام للوصول إلى شكل جديد يتوافق مع المرحلة الأمريكية المفروضة.

ربما ينجح واضعو سيناريوهات المستقبل في تطويق المجتمع .. وربما يواجهون ألغاما .. ولكن بعد اغتيال الحريري، ومهما كان موقفنا فإن علينا مراجعة لغتنا وربما خطابنا وحتى آلية تفكيرنا، لأن ما واجهناه خلال عامين يتضح بصورة أشمل بعد الاغتيال.

تاريخ 14 شباط لن يمر هادئا كما لاحظ الجميع .. لكن الأهم هو القدرة على معرفة أن الزمن لم يعد كما كنا نعرفه من قبل، وإذا أردنا بالفعل إثبات حقيقة هذا الترابط بين سورية ولبنان فعلينا نقل نطاق التفكير باتجاه جديد، فمصطلحات القديمة انتهت لأن الموضوع اليوم متشابك مع مصير المنطقة ككل.