العنوان يدعو لتساؤل خطير: وهل هنالك من يريد مأسسة لهذه الثقافة؟ أو هل هنالك من له مصلحة لمأسسة هذه الثقافة؟ إن من أخطر ما يواجه سورية في الواقع هو هذه الثقافة التي انتشرت منذ عام 1970 كثقافة سلطة شفاهية، ولم تستطع هذه السلطة أن تؤسس لمثل هكذا ثقافة في الدولة والمجتمع ولكنها لغمت المجتمع بهذه الثقافة من خلال سلوكها وممارساتها اليومية وتكريسها وجها طائفيا لا دستوريا في أجهزة السلطة وخصوصا أجهزة القوة (عسكر، استخبارات.. الخ) وجعلت المجتمع بدل أن يخطو باتجاه الاندماج الوطني معرضا للتشرذم الطائفي !

باتت الثـــــقافة الطائفية شبحا يطير في الفضاء السوري، بينما نجد أن الأمر في لبنان قد تجاوز الثــــقافي كي يتأسس دولتيا ومدنيا! ولكل طائفة مؤسساتها المذهبية والدينية والسياسية والمشرعنة وفق الدستور والقانون اللبــــناني. وهذا كلــــه معروف للقاصي والداني وموجود في عدد لايحصي من الدراسات والمؤلفات مـــن مختلف المشارب الأيديولوجية.
والمعروف أكثر أن هذه الإشكـــــالية المزمنة بفسادها وتشتيتها لمدنية المجتمع اللبناني: قـــد وضعت المجتمع اللبناني دوما علي أجندة هذه الامتدادات الطائفــية وغير الطائفية في المنطقة والعالم. فلكل طائفة وزراء وســـــفراء مع الدولة اللبنانية والأهم خارج الدولة اللبنانية! ومع ذلك هنالك في لبنان حرية رأي وبقيت بـــــيروت منبرا للثقافة الحرة ولازالت.
وفي العودة إلي سورية نجد أن الثقافة الطائفية لايمكن لها أن تتأسس علي مستوي الدولة السورية لسببين:

الأول ـ ليس من مصلحة الأقليات الطائفية أن تقتدي بالتجربة اللبنانية لأنها ستكون خاسرة بالضرورة الموضوعية لوجود أغلبية دينية تتداخل بالوضع السوري طائفيا/ السنة / وقوميا / السنة العرب.. وهنا لابد من الإشارة إلي عامل مهم جدا في صياغة سلوك السلطة السورية منذ عام 1970 وهو أن الطائفة العلوية لم يكن لها مؤسسة دينية تمثلها دينيا وطائفيا / كمؤسسة مشايخ العقل أو المجلس الإسماعيلي..الخ وحاول حافظ الأسد أن يكون هو وعائلته المؤسسة التي لايستطيع إيجادها وإخراجها إلي العلن لأنه يوقعه ويوقع سلطته المطلقة في تناقض غير قادر علي حله بين الغطاء البعثي / القومي / الموظف أمام غالبية الشعب السوري وبين الضيق الأقلاوي طائفيا.
الثاني ـ والتــــأسيس الطائفي علي الطــــريقة اللبنانية لايصب في مصلحة السلطــــة أيضا وهنا يبقي اللغز غير الواضح في ممــــارسات هذه السلطة وتناقضــــاتها في حل هذه المسألة، وقــــد تحول الرئيــــس الراحـــــل وعائلته إلي حام للـــــطائفة ومنقــــذ لها ومعيد لأنتاج سيطرتها علي السلطة في ســـورية، وبهـــذا ظلم كل الشـــعب السوري بــــكل طوائفه بما فيها الطـــائفة العلوية، وهــذا السلوك ومارافقه من صراعات في تاريخ ســـورية بــــعد عام 1970 ادي علي اعتماد السلطة علي نشر ثقــــافة طائفــــية وفق رسائل شفهية لجماهير الطــــائفة وأنها مستهدفة وردت الــــظلم التاريخي عنها والأهــم أنها إذا تخــــلت عن السلطة فانها ستـــعود إلي الاضــــطهاد والتهميش لكونها أقلية طائفية.

لو عدنا إلي تلك المرحلة الصدامية لوجدنا شبها كبيرا في إدارة صــــدام للسلطة في العراق والفارق هنا بين التجربتين أن:
صدام ينتمي إلي الطائفة السنية العربية والتي هي أقلية أيضا في الوضع العراقي بينما هي تشكل جزءاً من الفضاء السني العربي الذي يشـــــكل غالبية المسلمـــــين العرب، والتي كانت قد احتضنت صدام ومشاريعه تحت يافطـات قومجية أو إخوان مسلمين..الخ في كثير من محطاته الدموية في حق الشعب العراقي.. والســـــؤال هـــــــل العلاقة الإيرانية السورية كانت بديلا ولازالت أم أن الأمر لايعدو كونه مصادفة؟! أظن أن عوامل عدة لعبت دورا في صياغة هذه العلاقة المعقدة بين السلطة السورية وسلطـــة الملالــــي في إيران وأحد هذه العوامل هو الوضع الطائفي للسلطة في سورية والذي لم يدرس بعد.
وتكثيفا ســــريعا يمكننا القول ان الثقـــافة الطائفية لايمكن لها أن تتحول إلي مؤسسة في سورية وهذا وجه التناقض الحقيقي في سلوك السلــــطة السياسي علي المستوي الداخلي وهو أحد الأسباب في قضية الاستعصاء السوري بالانتفال نحو الديمقراطية وهو السبب الذي يفــــشل أي مشــــروع إصلاحي تطرحه هذه السلطة: فلا يمكــــن لسلطة أن تصلح لكي تذهب هذه السلطة من يدها بأساليب مدنية وديمقراطية لكونها أصلا هي سلطــــة مبنية علي اغتصـــابها للسلطة نفسها.
هذا يستلزم من القوي الحية في المجتمع السوري ألا تسمح فعلا لهذه الثقافة أن تتحول إلي مؤسسات. بل عليها العمل من أجل إحلال ثقافة مواطنية حديثة مدنية وعلمانية في فضاء ليبرالي حر.