عندما قامت الثورة الفرنسية، كانت قد مضت بضع سنوات على صدور «التايمس» في لندن. ولذلك ورد ذكر الكثيرين من قادة الثورة في باب «الوفيات». ومع السنين أصبحت أشهر زاوية في جريدة بريطانيا الأولى، صفحة (واحيانا صفحات) الوفيات، وباب «رسائل الى المحرر». ومع تطورها وانتقالها من مالك الى آخر، أدخلت «التايمس» على صفحاتها وأبوابها تعديلات وتغييرات كثيرة، وبقيت زاوية الوفيات وحدها لا تمس ولا تتغير. وكانت قاعدتها الاولى ألا يوقع كاتبها سيرة الشخص الذي يؤبنه. وسبب ذلك كما شرح رئيس تحرير الصحيفة أواخر القرن التاسع عشر، ان يظل الفقيد هو الموضوع، لا ان يكون الكاتب هو المسألة. فليس مهما على الاطلاق، وحتى في التفاصيل، ان يكون الكاتب قد التقى اللورد كتشنر، وتناول معه طعام الغداء وجلس قبالته او الى جانبه، بل الاهمية الوحيدة هي لدور اللورد كتشنر في صناعة تاريخ بريطانيا. اما من تغدى ومن تعشى وماذا قال الصحافي لصانع التاريخ، فهذه توافه تذهب مع آنياتها. فالمهم ماذا قال صانع التاريخ وماذا فعل وماذا أنجز؟ والفارق بين كتابة التاريخ وصناعته، وبين الكتابة عن تناول العشاء مع صنّاعه وقادته، هو كالفارق بين ان يكون الكاتب شاهدا على عصره ومرحلته، وبين ان يكون مدوّن مفكرات عن مواعيد السهرات والرحلات والاصابة بالزكام.

«حيوات عظيمة» هو عنوان مائة سيرة نشرتها «التايمس» في باب الوفيات خلال قرن. تبدأ باللورد كتشنر وفلاديمير ايليتش لينين، وتنتهي بياسر عرفات والبابا يوحنا بولس الثاني. ولست أدري من اختار المائة من بين الآلاف الذين نعتهم الجريدة بين 1916 و2004. وعلى أي أسس. لكن، هناك الزعماء والفنانون والموسيقيون والمصممون وطبعا الكتّاب. ومن هؤلاء مثلا جورج اورويل وصامويل بيكيت، ولكن ايضا بربارة كارتلاند التي كانت تكتب وهي تحيك الصوف.

وهناك جاكلين اوناسيس كينيدي، والسيدة جاكلين دو بريه، وهي عازفة تشيللو. ولا شك انها جرأة مهنية كبرى في ان تختار صحيفة مثل «التايمس» مائة اسم فقط في حوالي مائة عام، قامت خلالها حربان عالميتان، كما قامت الامم المتحدة، التي لا نرى اثرا لأي أمين عام من أمنائها في الكتاب.

وهناك سيرة رايسا غورباتشوف ولا اثر لخروشوف او ليونيد بريجنيف. وهناك ماي وست ولكن لا ذكر لغريتا غاربو او مارلين ديتريتش. وهناك شبه غياب للعرب وكذلك للاسرائيليين.

من العرب جمال عبد الناصر وياسر عرفات، بينما يغيب من الاسرائيليين دافيد بن غوريون واسحق رابين ويظهر مناحيم بيغن. ومع ذلك يبقى الكتاب، مثل الباب اليومي الذي نقل عنه، ذروة في العمل الصحافي وثقافة التقدير لحياة الناس بعد وفاتهم.