أعلنت واشنطن انها ستهب خمسة ملايين دولار لدعم الحركة الديمقراطية في سورية، أو بعبارة أخرى تخطط لزعزعة النظام في دمشق. في الأسبوع نفسه سارعت سورية الى اعتقال عدد من رموز المعارضة السلمية ربما استباقا او ملاحقة لمن تعتبرهم خصوم الغد. كما ذهبت وزيرة الخارجية الأميركية الى مطالبة مجلس الأمن الضغط على سورية من أجل مساعدة التحقيق في اغتيال الحريري. وفي وسط الشد والجذب بين العاصمتين، أعلنت الحكومة في دمشق انها ألغت التعامل بالدولار الأميركي واستبدلت اليورو الأوروبي به.

ولو نظرنا الى معركة الأسبوع لوجدناها صغيرة لكنها كافية لأن تتدحرج ككرة الثلج. فالخمسة ملايين دولار مبلغ ضئيل في أي مشروع معارضة، دع عنك تغيير نظام مهما كان. أيضا تبديل العملة الدولارية في سورية وخزة لن تشعر بها الأسواق العالمية التي تتعامل كلها بالورقة الخضراء. وقبل ذلك، طبقت قرارات اميركية بتجميد أموال لمسؤولين سوريين وحظر تصدير بضائع اميركية.

المشكلة مؤهلة للتطور طالما ان الطريق تسير فيه باتجاهين متضادين؛ قرارات عدائية من دون أن نرى محاولة جادة واحدة يمكن ان توقف التدهور المستمر. والخمسة ملايين دولار مثال على ذلك؛ فهي مساعدة ذات مغزى رمزي وتحريضي؛ رمزي بأن الولايات المتحدة جادة في مواجهة نظام سورية وفيها تحريض للقوى الساكتة ان تدخل المعمعة. وهنا تقع دمشق في الفخ عندما تبدأ بالاستجابة واعتقال معارضيها الذين من سجلهم لم يحملوا سلاحا او يتجاوزوا حدود التعبير إلا في أمور محلية لا تعادي النظام برمته. باعتقالهم تصبح محل نقد عام في الداخل والخارج وتبرهن على ما يقال ان دمشق عاجزة عن اتباع سياسة واضحة في مواجهة أزمتها الخطيرة منذ اغتيال الحريري وبدء التحقيق الدولي.

المعركة بين الطرفين ستستمر الى فترة قد لا تكون صغيرة، وهنا علينا ان نستعرض القوتين، فدمشق تعاني بشكل مباشر لأنها الأضعف في اللعبة. لا تدري من اين ستأتيها السهام، عبر الحدود البرية او الجوية او مجلس الأمن، ولا تستطيع ان تغمض عينيها للحظة مع وجود نوايا مجهولة عند خصمها. هذا القلق المستمر والمنهك لا تقابله في واشنطن سوى جلسات تدبر وتدبير تدار فيها اكواب القهوة وتنتهي مع نهاية دوام الموظفين. وبالتالي الاعتقاد بأن دمشق قادرة على المواجهة لفترة طويلة أمر سيمتحنه خصومها، والسؤال هل هناك حاجة للامتحان إن وجدت وسائل لنزع الفتيل والتعامل مع الأزمة التي تكبر بطريقة اكثر حكمة. خيار سورية الأفضل التعجيل بحلها بدل الاطالة التي تأتي عادة على حساب الأضعف في ميزان المواجهة.