عندما تصل كوندوليزا رايس الى الخليج للبحث في سبل «التصدي لنفوذ ايران في المنطقة» يكون اكثر من اسبوع قد انقضى على صيام صدام حسين الذي لم يستسغ في الأيام الاخيرة الحضور الى قاعة المحكمة في غياب محاميه.
والمفارقة ان رايس التي سوف تلتقي في الامارات «ممثلين عن دول مجلس التعاون الخليجي للبحث في تعزيز التعاون الاقليمي» فضلاً عن «التحديات التي يطرحها النظام الايراني على العالم كله», لن تجد شيئاً تقوله عن «صدام» الذي كان حتى لحظة سقوطه يشكل «صمام الأمان» الخليجي في مواجهة هذه «التحديات».
في غيابه تبحث واشنطن عن «صدام بديل» لن تجده بكل تأكيد بين حكام مجلس التعاون, بالرغم من حجم التسلح الخليجي, ولن تجده في منظومة المؤتمر الاسلامي, ولا في أروقة الجامعة العربية . ومن اجل هذا ربما طالبت رايس قبل ايام بـ50 مليون دولار لاستخدامها في زيادة ساعات البث التلفزيوني والاذاعي باللغة الفارسية €من 4 الى 24 ساعة في اليوم€ لتعزيز «القصف الاعلامي» الموجه ضد طهران ونظام الملالي. في الوقت نفسه تخطط «كوندي» لإنفاق 15 مليون دولار اخرى على الجماعات المنشقة عن النظام, و10 ملايين اضافية على مراكز البحوث والاكاديميين الناشطين ضد هذا النظام.

لو كان صدام حسين لا يزال في السلطة لكانت «كوندي» انصرفت الى اهتمامات اخرى, لأن الرجل كان يتكفل بالملف الايراني دونما حاجة الى مساعدات الكونغرس, وكان ­ على طريقته ­ يعالج «القلق الخليجي» من تنامي القوة الايرانية من خارج الاستراتيجية الاطلسية , ولطالما تغنى بأنه حارس البوابة الخليجية.
بعد ثلاث سنوات على سقوط بغداد تستعين بعض الدول الخليجية بمسؤولين ومستشارين عراقيين سابقين في قراءة المشهد الايراني والتعامل مع مفاعل بوشهر, ودول مجلس التعاون القريبة من هذا المفاعل خائفة او متخوفة من غياب الحماية والوقاية في حالتين: قصف المفاعل بالقنابل الثقيلة €الاميركية او الاسرائيلية€ وتسرب الاشعاعات النووية على طريقة تشيرنوبيل €1986€ لأن ايران لن تستعين بخبراء الاطلسي في الحد من اضرار هذا التسرّب, وهي ليست عضواً في «اتفاقية الانذار المبكر», اما الخبراء الروس والصينيون والاوكرانيون فهم على الارجح عاجزون عن درء الكارثة.
نعود الى «كوندي» التي لن تقصر جولتها على دول الخليج لأنها مهتمة, على ما يبدو, بـ«اخوان» مصر, ونتائج الحوار الذي اجراه قادة «حماس» في القاهرة, وربما كانت ايضاً مهتمة بنتائج التنسيق الذي بدأ بين عبد الحليم خدام و«اخوان» سوريا, في سياق التركيز الاميركي €الاكاديمي والسياسي معاً€ هذه الايام على امكان التعاون مع التيارات الاسلامية في «إعادة هيكلة» المنطقة.

وفي انتظار نتائج الانتخابات الاسرائيلية يطل المشهد الاقليمي على استحقاقات جديدة في لبنان وفلسطين والعراق, في الوقت الذي يقاتل أرييل شارون عن آخر قطعة من حياته, ويقاتل نجله عمري عن آخر قطعة من مكاسبه , يدخل ويخرج غرفة والده... قبل ان يخرج الى السجن, وكأن كل شيء في العائلة الشارونية مأساة يونانية على جزيرة يونانية.
مشهد لم يكن شارون, في أشد أحلامه سواداً, يتصور انه ممكن, هو الذي كان يطحن اعداءه من دون شفقة.
تبقى اسئلة ثلاثة:
­ هل تسلق الفلسطينيون ­ لا الاسرائيليون ­ هذه المرة شجرة عالية جداً بات النزول عنها في منتهى الصعوبة؟
­ هل تسلق الايرانيون ­ لا العراقيون ­ هذه المرة قمة عالية جداً بات الهبوط منها مغامرة حقيقية؟
­ هل إن الرهانات البوشية على تدجين المنطقة واخضاعها باتت باهظة الكلفة, اكثر مما توقع جنرالات البنتاغون؟
نسأل في انتظار يقين لا يأتي.