مساء الخميس الماضي انتهى رسمياً تسجيل اللوائح الحزبية التي ستتنافس في الإنتخابات المقبلة للكنيست الاسرائيلية السابعة عشرة بعدما بلغ عددها 31 لائحة وآخر الأحزاب التي تسجلت حركة"شينوي" التي تمثل الوسط العلماني في اسرائيل والممثلة بـ15 مقعداً في الكنيست الحالية.

ورغم الأحداث المهمة التي طرأت على الحياة السياسية في اسرائيل منذ الدعوة الى انتخابات نيابية مبكرة وفي طليعتها خروج ارييل شارون من الحياة السياسية على أثر النزف الدماغي الذي أصابه وجعله في غيبوبة لم يفق منها منذ أكثر من شهر، الى جانب فوز حركة"حماس" في الانتخابات التشريعية الفلسطينية فوزاً كبيراً على حركة "فتح"؛ فإن الخريطة السياسية في الانتخابات والاصطفاف الحزبي لم يشهدا تحولا جذرياً. فما زال حزب الوسط الجديد "كاديما" الذي أسسه شارون قبل توعكه و الذي يتولى رئاسته اليوم ايهود أولمرت القائم بأعمال رئاسة الحكومة، في طليعة الأحزاب المتنافسة ويفوق بكثير الحزبين الآخرين المتنافسين: الليكود والعمل. ففي آخر استطلاع نشرته الصحف الاسرائيلية ظهر ان "كاديما" سيحصل في الانتخابات على 40 مقعداً في الكنيست لو أجريت الإنتخابات الآن،في الوقت الذي أعطى الجمهور الليكود 13 مقعداً والعمل 19 مقعداً.

والسؤال الذي يطرح نفسه على المحللين والمراقبين السياسيين: ما سر اصرار الجمهور على الاستمرار في تأييد حزب جديد مثل "كاديما"؟ هذا الحزب الذي اعتبر نفسه يمثل الوسط وجمع مزيجاً من سياسيين مخضرمين وشبان من انتماءات سياسية مختلفة بعضها يميني وبعضها الآخر يساري، أي من دون هوية سياسية واضحة المعالم،ناهيك بأن حداثة سن الحزب السياسية والغياب الفجائي لمؤسسه جعلاه من دون اطر حزبية منظمة مخولة اختيار قائمة مرشحي الحزب الى الانتخابات مما جعل العملية محصورة في يد زعيم الحزب أولمرت بعكس الحزبين العريقين الآخرين اللذين قاما باختيار مرشحيهم عبر انتخابات داخلية ديموقراطية الطابع.

يبدي المراقبون الإسرائيليون دهشتهم أمام ظاهرة "كاديما" الذي استطاع في الأسابيع الماضية اجتياز أكثر من "قطوع" سياسي. فمرض شارون أدى الى ازدياد تعاطف الناس والناخبين معه بدلاً من تحولهم عنه، مما يعني أن شعبية الحزب التي كانت قائمة على شخصية شارون والكاريزما السياسية التي يتمتع بها لم تتأثر، بل على العكس تحول التأييد تعاطفاً مع مرض شارون ورغبة في اظهار الوفاء والإخلاص لإرثه السياسي، وبذلك نجح أعوان شارون في توظيف الحملة الشعبية للتعاطف معه الى تأييد لحزبه. من ناحية اخرى مرت زعامة أولمرت باختبار صعب في الأيام الماضية فمباشرة بعد الفوز الساحق الذي حققته "حماس" أوعزت الحكومة الاسرائيلية الى الشرطة لاخلاء مستوطنة عمونة بالقوة وكان تحصن بها جمهور من المستوطنين المعارضين والمحتجين في غالبيتهم من الجمهور المتدين. واضطرت الشرطة الى استخدام القوة في عملية الإخلاء التي اتسمت هذه المرة بمظاهر للعنف استخدمه المستوطنون لم نشهدها في عمليات اخلاء مستوطنات غزة الصيف الماضي. ورغم الضجة التي احدثها ذلك، والاحتجاجات العنيفة لغالبية القوى السياسية والمطالبة بقيام هيئة تحقيق بالحوادث، الا ان الحكومة نجحت في احتواء مضاعفات القضية وخرجت منها من دون خسائر كبيرة باستثناء تراجع تأييدها في الاستطلاعات بنقطتين مع بقاء الفارق الكبير بينها وبين الأحزاب الأخرى على حاله.

ويبدو أن لا شيء حتى الآن قادر على الحاق الضرر بـ"كاديما"، لا فوز "حماس" ولا الموافقة على نقل الأموال الى السلطة ولا البرنامج الإجتماعي الاقتصادي لزعيم حزب العمل عمير بيرتس ولا النهج الديموقراطي في الأحزاب الأخرى ولا سيناريوات الرعب التي يصورها بنيامين نتنياهو منذ فوز "حماس". فالجمهور الاسرائيلي لا يبدو متأثراً كثيراً بفوز التيار الإسلامي المتشدد في المناطق الفلسطينية، وبالنسبة اليه لا يعدو الأمر حلول تيار فلسطيني أكثر راديكالية محل حزب ردايكالي أقل.

وفي الحقيقة فالصعود المستمر لحزب "كاديما" هو في جزء منه صورة لأزمة الحزبين الكبيرين الليكود والعمل وأحزاب الوسط مثل حركة شينوي التي شهدت في الفترة الاخيرة انشقاقاً في صفوفها في اعقاب انسحاب زعيمها طومي لبيد من الحياة السياسية وانتخاب زعيم آخر لها وخروج مجموعة من الأعضاء من الحركة. وكادت هذه الحركة التي استطاعت في الإنتخابات الأخيرة ان تحصل على 15 مقعداً ومثلت جمهور الوسط ان تغيب عن الخريطة الحزبية، وتعتبر منذ الآن أكثر الأحزب تضرراً من قيام "كاديما" الذي يحتكر اليوم تمثيل تيار الوسط في اسرائيل.

المشكلة بالنسبة لحزب العمل الذي لم يستطع رفع تمثيله الى أكثر من 21 مقعداً تكمن على الأرجح في شخصية زعيم الحزب عمير بيرتس وفي برنامجه الانتخابي الاجتماعي. فقد عكست الاستطلاعات هرباً لأصوات الجمهور الأشكينازي عزاها البعض الى انتماء بيرتس الى الطائفة الشرقية (انخفض تأييد الاشكيناز من 17 في المئة في شهر تشرين الثاني الماضي الى 13 في المئة في شهر كانون الأول الماضي ووصل الى 12 في المئة في الشهر الماضي). ولكن هرب الأصوات لم يقتصر فقط على الأشكيناز وانما تعداه الى الشرقيين الذين اتهموا بيرتس بأنه لا يعير الاهتمام الكافي لمصالح ابناء الطوائف الشرقية(من 16 في المئة انخفض تأييد الشرقيين الى 6 في المئة الشهر الماضي). وفي تقدير المراقبين ما يحسم قرار الناخب في حزب العمل ليس الانتماء الاثني لزعيمه فقط وانما مسائل أخرى مثل المستوى التعليمي والوضع المهني والوسط العائلي والإجتماعي وبالطبع الخبرة السياسية، ناهيك بأن الخطة التي وضعها بيرتس لمكافحة الفقر لا يبدو أنها تحظى فعلاً بتأييد غالبية ناخبي حزب العمل.

وبالنسبة الى حزب الليكود المسألة مختلفة، فالحزب ما زال يعاني من الضربة الموجعة التي لحقت به جراء خروج شارون وجماعته من صفوفه وتأسيسهم الحزب الجديد الذي تدل الاستطلاعات انه سحب من تحت قدمي الحزب تأييد القاعدة الإنتخابية التقليدية لليكود. ثمة مشكلة أخرى تكمن في شخص بنيامين نتنياهو زعيم الحزب الذي حتى الان لم ينجح في تسويق صورة جديدة له. فرغم محاولاته المستميته لتخويف الجمهور من فوز "حماس" وتقديم نفسه بصفته الوحيد القادر على وقف المد الأصولي الفلسطيني وكبح نشوء الدولة الفلسطينية فان محاولاته لم تعط حتى الآن النتيجة المطلوبة. فخلال ثلاثة أشهر لم ينجح في رفع التأييد لحزبه أكثر من ثلاثة مقاعد.

يعتقد المسؤولون عن الحملة الانتخابية لحزب "كاديما" أن لاشيء يمكن ان يحرف المسار الذي اتخذته المعركة الانتخابية الحالية وان يؤثر سلباً على تقدم الحزب باستثناء أحداث خارجية كبيرة مثل اعاصير او هزة أرضية؛ فالحزب مستعد لكل ما يطرأ و لاشيء سيمنعه من ان يكون الحزب الحاكم الجديد لإسرائيل بعد الانتخابات.