لم تبدأ معركة اسقاط الرئيس السوري بشار الاسد. بدأت فقط معركة اسقاط احد آخر عناوين نفوذ سوريا في لبنان، واحد ابرز مظاهر تحديها للمجتمع الدولي ولارادة الغالبية الساحقة من الشعب اللبناني: رئيس الجمهورية اميل لحود.
أمر العمليات صدر من واشنطن وباريس اللتين اختارتا في البداية ومنذ ما قبل اغتيال الرئيس رفيق الحريري، اهمال لحود وتحييده واعتباره رئيسا بروتوكوليا، ثم اكتشفتا مؤخرا انه تحول الى عقبة او على الاقل الى ذريعة لدى قوى الاكثرية النيابية التي تقول انها لا تستطيع ان تحكم البلد بوجود الرئيس الحالي في قصر بعبدا.

ثمة حاجة لبنانية فعلية اليوم الى اطاحة لحود الذي ما كان يستحق الرئاسة اصلا في العام 1998، وما كان جديرا بالبقاء في منصبه ولا طبعا بالحصول على التمديد .. فهو بات يتعارض مع برنامج الاصلاح السياسي والاقتصادي المطلوب للبلد، بغض النظر عن قدرته الفعلية على تعطيل مثل هذا البرنامج الذي ينادي به ويرعاه المجتمع الدولي، ومن ابرز عناوينه الوشيكة قانون الانتخاب الجديد ومؤتمر بيروت 1.
لكن خطورة هذه الخطوة تكمن في الاغراء الذي تمثله بالنسبة الى غالبية القوى المحلية لكي تختبر قوتها الفعلية، ولكي تستأنف النقاش حول قرار مجلس الامن الدولي الرقم 1559 من حيث توقف عند تشكيل حكومة الرئيس فؤاد السنيورة التي يشارك فيها حزب الله.. خصوصا وان قوى الاغلبية تخلت في الاونة الاخيرة عن فكرة الدخول في مساومة مع الحزب حول رأس لحود وسلاح المقاومة، واندفعت نحو المواجهة مع الجانبين معا.
ليس من الواضح بعد ما اذا كانت واشنطن وباريس اللتان فتحتا معركة رئاسة الجمهورية في هذا الوقت بالذات، قررتا بالفعل دفع الحزب الى الخروج من الحكومة التي كاد يتسبب باسقاطها قبل اسابيع نتيجة غلطة فادحة.. والتحضير بعد اقالة لحود، لتنفيذ البند التالي من القرار 1559، الخاص بتجريد المقاومة من سلاحها، وما يعنيه ذلك من مخاطرة في الاستقرار على الخط الازرق الحدودي.

المرجح حتى الان ان معركة الرئاسة تقتصر على اعادة تشكيل سلطة الاكثرية وتنظيم برنامج عملها، وقياس ردود فعل الاقلية، سواء المشاركة في الحكومة او المعارضة لها مثل تيار العماد ميشال عون.. والتي لا تقتصر على الهذين المعسكرين، بل يمكن ان تؤدي الى صراع حقيقي داخل الطائفتين الشيعية والمارونية، على الدفاع عن رئيس يفتقد الى الشرعية، وعلى الاتفاق على رئيس يتوق الى مثل هذه الشرعية ويستطيع ان يتكيف مع متطلبات المرحلة المقبلة.
المعركة في بدايتها. لكن اهم ما فيها انها تترافق مع ايحاءات بان واشنطن وباريس تعتبران ان خطة التغيير المقبلة في لبنان تتطلب خطة مماثلة في سوريا.. مع انه قد يثبت ان العكس هو الصحيح تماما، اذا كان المطلوب هو فك الارتباط بين البلدين وليس احياء فكرة وحدة المسارين الرئاسيين!