قبل عقد تقريبا خلفت مسألة انهيار الاتحاد السوفياتي ثم حرب تحرير الكويت، مجموعة من الإجراءات السياسية، حاولت القيام بنقلة ثقافية على المستوى الإقليمي من "الحرب" إلى "السلام". ورغم أن هذه النقلة بنيت على أنقاض انهيار أحلام التنمية والتغيير الاجتماعي و "حرب التحرير"، لكنها سرعان ما انتقلت إلى البنية الثقافية. وبدأت عمليات تنظير واسعة لضرورة السلام، بدلا من بحث "السلام" نفسه وما يمكن ان يقدمه.

عمليا فإن هذه المحاولات انهارت بشكل تراجيدي مع الانتفاضة الثانية، وعلى امتداد عامين اصبحت ثقافتنا تواجه حالة فريدة نتيجة الوضع في الأراضي الفلسطينية، وبات واضحا أن الشكل الاجتماعي في فلسطين يمر بمرحلة تحول قادرة على خلق آفاق جديدة ليست بعيدة عن "السلام" ولكنها ترسمه وفق إطار جديد.

وتجربة الانتفاضة التي انتقلت من المواجهة الاجتماعية "المدنية"، إلى حالة عسكرية هزت "إسرائيل" واجهت محنتها الأولى بعد أحداث 11 أيلول، لكن يبدو أن العمل العسكري اعتبر نفسه بمعزل عما جرى في الولايات المتحدة، مما أدى عمليا لقانون "الاستباحة" الذي مارسه شارون، واعتبر شرعيا لأنه جزء من مكافحة الحركات "الإرهابية" التي تعتمد أسلوب "القاعدة".

بعد التطورات الدراماتيكية منذ 11 أيلول لم يعد "السلام" شأنا مرتبطا بمكاسب ومصالح على الأرض، بل أصبح كسر إرادات تمارسه إسرائيل ضمن ظرف عام من الانهيار الذي شهدته المنطقة نتيجة الاحتلال الأمريكي للعراق. واليوم عندما يعود "السلام" مجددا على الساحة السياسية، فإنه يحمل إرثا ثقيلا من الإحباطات، وحالة من الرفض الإسرائيلي، على المستوى الاجتماعي على الأقل، وهذا الرفض على الساحة الفلسطينية ليس أقل بعد أن تركت الحرب آثارها داخل كافة العائلات الفلسطينية.

بالطبع لا نستطيع القول أغلقوا ملف الحرب أو السلام .. أو أفسحوا مجالا للتسوية .. فالموضوع اليوم لم يعد إجراءا سياسيا، بل هو محاولات تأسيس يجب ان تنطلق من صياغة مفهوم السلام ليس فقط على أساس من التغيرات الدولية، بل من فهم ما يمكن ان نبنيه لأنفسنا عبر السلام، وما نستطيع أن نحققه من استراتيجية جديدة إذا ... تحقق السلام.