علاء فوزي أبو طه/دنيا الوطن

تنتظر الساحة السياسية الإسرائيلية خلال شهر مارس 2006مجموعة من الأحداث على رأسها انتخابات الكنيست، والتي تأتي هذه المرة في ظرفية مختلفة تماما عن سابقاتها، حيث تعرف الساحة المحلية وكذلك الإقليمية والدولية مجموعة من التغيرات بعضها طفيف وبعضها الآخر أعمق، قد تغير بالتالي الوجهة السياسية لإسرائيل لسنوات مقبلة، ومن ملامح هذه المرحلة أنها تشهد غياب شارون عن الساحة السياسية لظروف مرضه، وهذا الغياب يعتبر غيابا أبديا للجسد وليس للأفكار، حيث وضعت أفكار شارون ومن يدور في فلكه مجموعة من التطبيقات الدائمة والتي سيبقى أثرها إلى أمد بعيد حسب الفرضيات الموجودة حاليا، هذا الرجل البلدوزر الذي لم يقف تأثيره على الممارسات العدوانية التي عانى الشعب الفلسطيني منها خلال توليه رئاسة الوزراء، بل امتدت لتشمل التأثير المباشر على مصير القضية الفلسطينية، كذلك عرفت الساحة السياسية الإسرائيلية في الأيام والأشهر الأخيرة لمرض شارون تفكك وضعف اليمين الإسرائيلي المتمثل في "حزب الليكود"، بعد تمرد أعضاءه ومؤسسيه عليه، وعرفت الحياة السياسية الإسرائيلية حزبا جديدا الذي أسسه شارون مع مجموعة من مناصريه ومساعديه "كديما"، هذا الحزب الجديد والذي حسب استطلاعات إسرائيلية سوف يكون حاضرا بقوة شديدة في الانتخابات القادمة من الممكن أن يكون بديلا أو منافسا قويا لحزب "الليكود"، الذي لم يعد لديه ما يكفيه لينافس، لاسيما وان الشارع الإسرائيلي قد ارتاح نوعا ما لنتائج "خطة الفصل أحادي الجانب"، وللأفكار التي طرحها شارون في تحقيق حل أحادي الجانب ومن طرف واحد للعلاقة مع الفلسطينيين، وبالتالي يؤيد أغلبية الشارع هذا الطرح، ومن يقوم على برامج أكثر فاعلية وواقعية لتطبيق متطلبات الطرح الأحادي سوف يكسب ود الشارع الإسرائيلي وأغلبية أصواته، كذلك وفي الجهة المقابلة يعرف "حزب العمل" الذي من المفترض فيه أن يكون ممثلا لمنافسة المعارضة تراجعا ملحوظا في قوته وشعبيته، فمن الممكن هنا أن تشهد الساحة السياسية الإسرائيلية تنافسا بين "الليكود" و "كديما" مع غياب ملحوظ "لحزب العمل" .

تأتي الانتخابات الإسرائيلية ويعرف الإسرائيليون تماما الحالة الفلسطينية التي تعيش أسوأ مراحلها من التخبط السياسي، والتدهور الاقتصادي، وحالة الفلتان الأمني، والتي شعر من خلالها الإسرائيليون وبفضل خطة الفصل أحادي الجانب، أنهم ولأول مرة بعيدين عن ما يحصل في الأراضي الفلسطينية.

كذلك فوز حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية، وامتلاكها صلاحيات شرعية وقانونية، وتشكيلها للحكومة الفلسطينية الجديدة ، والتحديات المفروضة عليها والتي تتعامل معها لحتى الآن بكل ثقة، وبدون تغيير في برنامجها السياسي (مع عدم وجود نتائج أولية حول ذلك)، تعطي للناخب الإسرائيلي مؤشرا اكبر بعدم وجود شريك فلسطيني ، مما يشجع هذا لاختيار الطرح أحادى الجانب وتأييد مناصريه، لأنهم يدركون إن خروج " فتح" من السلطة وافتقادها لصفة " الحزب الحاكم الواحد"، يضعف من أنصار الشراكة مع الفلسطينيين، ولو عن طريق اتفاق مجحف كما يريد "حزب العمل"، فيسأل هؤلاء: مع من ستتحدث إذا كانت "فتح" خارج السلطة؟ وهل يمكن "لحزب العمل" أن ينفذ مشروعه ومنظوره لحل الصراع مع الفلسطينيين بإبرام اتفاق مع "حماس"؟ وهل الأجواء المحلية هنا وهناك، والإقليمية والدولية تتجه نحو ذلك؟ أي هل هناك من المؤشرات ما يدل على انه يمكن لحماس أن تدخل في اتفاق من نوع معين مع إسرائيل حتى في حالة فوز حزب العمل المؤيد لاتفاق مع الفلسطينيين عن طريق المشاركة والمفاوضات؟ خصوصا إذا كان هذا الاتفاق يتضمن حلا لبعض أو كل القضايا المصيرية العالقة.

كذلك الحالة الإقليمية أكثر تعقدا، بعد هذا الكم من التحركات السياسية لمعظم الحركات والأحزاب الدينية الإسلامية في العالم العربي، فالحراك السياسي في العالم العربي ، مع انه ومنذ زمن لا يهم الناخب الإسرائيلي، إلا أنها بدأت تنال جزء من اهتماماته لاسيما ما حدث في انتخابات مصر من زيادة رصيد الأحزاب والحركات الإسلامية، كذلك بعض بلدان الخليج، وما يحدث في العراق وإيران ولبنان من زيادة لنصيب الأحزاب الدينية الإسلامية في هذه البلدان، والتجربة الأكثر وضوحا في فلسطين، ففوز الحركات الإسلامية وكسبها بعض المعارك السياسية في البلدان العربية، يعطي للناخب الإسرائيلي شعورا أكثر وميولا للاتجاه نحو اليمين، والقبول بإدارة إسرائيلية أكثر تطرفا ويمينية، وليس بعيدا هنا أن تحصل أحزاب دينية إسرائيلية على عدد اكبر من المعتاد في الانتخابات القادمة في إسرائيل، فالتجربة الديمقراطية في العالم العربي أثبتت أنها تعطي مجالا وهامشا أوسع للأحزاب والحركات الإسلامية، حيث سقطت هنا النبؤة الأمريكية بأن نشر الديمقراطية وفرضها في المنطقة سوف يبعد الإسلاميين عن الحكم.

والوضع الدولي اليوم أكثر تفهما وتقربا من إسرائيل، وما تشجيع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لإسرائيل على المضي قدما في مشروعها للانسحاب من غزة من طرف واحد، وصمتها عن سياسة الاغتيالات والتصفيات السياسية، إلا انه يزيد تشجيعا وتطمينا للناخب الإسرائيلي أن هناك رضاء وغطاء دولي للممارسات الأحادية للحكومة الإسرائيلية السابقة، وها هو رئيس الوزراء الإسرائيلي بالنيابة المؤقت، يلوح بأنه ينوي ترسيم حدود نهائية لإسرائيل وفصل نهائي عن الفلسطينيين، يعتبر ذلك دعاية انتخابية أكثر منها قرارا ينوي اتخاذه وتطبيقه بالفعل حاليا، لعلها تزيد من رصيده في الانتخابات القادمة.

ومهما تكن نتيجة هذه الانتخابات، إلا انه على الطرف الفلسطيني أن يحضر جيدا لأجندته القادمة، ويتفرغ تمام بعد الانتهاء من تحصين جبهته الداخلية التي تأخذ أولوية قصوى، إلى المواجهة القادمة، والتي سيكون الأمر فيها مختلفا عن كل ما مضى من تجارب مع الإسرائيليين.