صدر في 31/6 بيان عن اللجنة الموقتة لـ»اعلان دمشق»، وصفه واضعوه بأنه «بيان توضيحي» للروحية «التي كنا نفكر بها والتدقيق في المعاني التي ساهمت فيها أيضاً الملاحظات التي قدمت والحوارات التي دارت حول الاعلان».

يوحي «البيان التوضيحي» بأنه يقدم تدقيقات في معاني بيان استغلق على الآخرين، إلاأن المدقق المقارن بين «الاعلان» و»التوضيح» يدرك بسهولة أن هناك فرقاً شاسعاً بينهما، ليس في المعاني أو التفاصيل، وإنما لجهة أن كلاً منهما يمثل خطاً متناقضاً مع الآخر: فمن السكوت في الأول عما يجري في العراق وفلسطين وعدم الاتيان على أي ذكر للخارج الأميركي الذي اصبح عند الحدود مع اعتبار الأخطار التي تتعرض لها سورية كلها «نتيجة السياسات التي سلكها النظام»،ا نجد في الثاني أن الأخطار»التي تتعرض لها سورية متعددة ومتنوعة. إنها تواجه مخاطر وتحديات خارجية تتمثل أساساً في مشاريع الهيمنة والسيطرة الأميركية والصهيونية على المنطقة، وهي مشاريع شديدة الخطورة تخلق الاضطرابات والحروب التي تتجلى في استمرار العدوان الصهيوني... وفي الاحتلال الأميركي للعراق». ونجد القفزة الكبرى في موضوع انتماء سورية العربي من»التأكيد على انتماء سورية إلى المنظومة العربية» إلى عبارة»إن سورية جزء عضوي من الأمة العربية»، فيما نجد في الثاني تأكيداً على ديموقراطية تقوم على مفهوم «المواطنة والحقوق والواجبات المتساوية والدولة المدنية» بدلاً من ديموقراطية «الاعلان» التي تقوم على «جميع مكونات الشعب السوري»، لنصل إلى تخلٍ صريح عن مفهوم «الأكثرية الاسلامية» الوارد في «الاعلان» لمصلحة التأكيد على قيم «الاسلام التحررية والانسانية التي تشارك معه فيها كل الأديان والثقافات الأخرى».

يصعب على أي شخص مستقيم الرأي ويعتمد الشفافية القول ان البيان توضيح لـ»الاعلان»، أو هو شروح على متنه أو»ايضاح» لروحيته،وإنما يجب البحث عن شيء آخر يسوغ أمراً يدفع سياسيين، بعضهم يتمتع بخبرة عقود في العمل السياسي، إلى اعتماد خط مناقض بعد مئة يوم من تبنيهم خطاً آخر،كان واضحا من صياغته عبر نص «الاعلان» بأنه يحوي مراهنات سياسية كبرى على الخارج الأميركي في ذروة صراعه مع النظام، وعلى صراعات داخلية في السلطة السورية.

بعيداً عما يقوله صانعو «الاعلان» بأنه كان مسودة تظل عرضة لإعادة النظر، فإن ما يعرفه الجميع عن الشخصيتين الرئيسيتن وراءه، السيدين رياض الترك وعلي البيانوني، لا يوحي بأنهما يضعان نصاً لمئة يوم فقط، بخاصة إذا تذكر الجميع كم أقصيا من قوى وشخصيات عن المشاركة في نقاشه وصوغه، وكم وضعا خطوطاً حمراً أمام قضايا أخرى، وكيف حدَدا «المسكوت عنه» و»المنطوق».

وهذا يعني أنه يجب الذهاب إلى ناحية أخرى لتفسير «البيان التوضيحي»: من الواضح أن الاعتراضات القوية التي واجهت «الاعلان» في الوسط السوري المعارض ليست هي السبب. اذ لا يمكن، أيضاً، القول ان معارضة بعض «أهل الاعلان» له (مثل حزب الاتحاد الاشتراكي العربي) هي ذلك السبب، وإنما يجب تفسير ذلك في»انفراج» المواجهات الأميركية مع النظام عن توافقات في العراق، ترجمت في الانتخابات العراقية وفي الاجراءات الحدودية في مقابل التوقف عن استخدام «التحقيق» من قبل الأميركيين ضد النظام (وهو ما تحقق منذ ذهاب المستجوبين السوريين إلى فيينا).

كان من الجلي أن السيد الترك مدركُ لواقع العلاقات الأميركية - السورية الجديد منذ مقابلته مع تلفزيون «الحرة» منتصف كانون الأول (ديسمبر) الماضي، عندما هاجم الأميركيين واضعاً وراءه سياسة مناقضة لذلك بدأت عنده عقب سقوط بغداد. واذا تركنا الأسباب وعالجنا الأمور بنتائجها، يمكن القول ان «البيان التوضيحي» هو انتصار لخط على خط في المعارضة السورية، وهو هزيمة للخط الذي يراهن على الخارج الدولي لاحداث التغيير الداخلي في البلد، والذي كان يسود ويغلب على وسط المعارضة السورية منذ سقوط بغداد.

في السياسة،هناك حلاًن أمام من يفشل في مراهناته وخطوطه السياسية: إما أن يخضع للمؤسسة (سواء كانت حزباً أو تجمعاً للقوى) بعد تخليه عن فرديته وتفرده واستئثاره بالقرار، أو أن يذهب إلى البيت. ماذا سيختار المعارضون السوريون: التحول إلى عمل مؤسساتي، أم الاستمرار في طريقة العمل السابقة التي قادت الجميع من فشل إلى فشل؟