الاسباب التي يفترض ان تدفع برئيس الجمهورية العماد اميل لحود الى الاستقالة اوالتنحي اليوم وبعد انقضاء سنة وبضعة اشهر من الولاية الممدد لها، كثيرة ومتنوعة في رأي جهات سياسية لبنانية عدة. منها اخفاقه اثناء ولايته الدستورية في اقامة دولة القانون والمؤسسات ومحاربة الفساد واشاعة الامن والاستقرار واقامة الوحدة الوطنية المفقودة، اي بكلمة واحدة فشله في تنفيذ "خطاب القسم" بكل ما تضمنه من وعود والتزامات. ومنها ايضا ممارسته سياسة كيدية تجاه من اعتبرهم اخصامه السياسيين رمى من خلالها الى زجهم في السجون، وهو ما لم يستطع فعله، والى إفقادهم صدقيتهم لدى الرأي العام او على الاقل لدى مناصريهم. ومنها ثالثا، ضربه بالديموقراطية والحرية عرض الحائط، ومبادرته الى تعزيز النظام الامني الذي كان سلفه في الرئاسة اقامه بدعم من سوريا الموجودة في لبنان في حينه، بل الى تكريسه وان مع محافظة شكلية على الجمهورية الديموقراطية البرلمانية. ومنها رابعا، تجاهله السيادة والاستقلال اللبنانيين وتركه القرار اللبناني بكليته لسوريا او لممثليها في لبنان من لبنانيين وغير لبنانيين واكتفائه بممارسة مظاهر السلطة ووجاهتها على حساب لبنان ومصالحه ومصالح شعبه. ومنها خامسا، تغاضيه عن استمرار الفساد في الداخل واشتراك غير اللبنانيين فيه ، وحتى بعد وصوله الى محيطه المتنوع. ومنها سادسا، اصراره على تمديد ولايته رغم الفشل ورفض ممثلي الشعب اللبناني ذلك، حتى الذين منهم حلفاء سوريا وتاليا حلفاء له، واستعماله الضغط السوري المباشر لتحقيق هذا الهدف. ومنها سابعا، مسؤوليته المعنوية، على الاقل حتى الآن والنظام الامني الذي ترأس ظاهرا باعتبار ان مرجعية هذا النظام كانت خارج الحدود، عن محاولات الاغتيال والاغتيالات التي شهدتها البلاد بعد تمديد ولايته وفي مقدمها قتل الرئيس الشهيد رفيق الحريري. ومنها ثامنا، عزفه على الوتر الطائفي والمذهبي بعد انفضاض الناس من حوله ودخوله شريكا في العمل لقيام محاور سياسية في الشكل وطائفية – مذهبية في الجوهر بغية الاستمرار في السلطة وتدعيم الوجود السوري في لبنان، والوقوف في وجه اي محاولة للتخلص منه بعدما صار عبئا على لبنان، ومن الوجود المذكور بعدما تحول وصاية وهيمنة مباشرتين.

اما الاسباب التي تدفع برئيس الجمهورية العماد اميل لحود الى رفض الاستقالة رغم الضغوط الكثيرة الممارسة عليه منذ صدور القرار الدولي رقم 1559 فكثيرة ايضا، في رأي جهات سياسية لبنانية اخرى. منها وقوفه مع المقاومة "الاسلامية" ضد الاحتلال الاسرائيلي لاجزاء من جنوب لبنان وبقاعه الغربي وتقديمه كل ما احتاجت اليه من دعم لوجستي وامني وعسكري وسياسي لتحرير الاراضي المحتلة، وذلك ما حصل في ربيع عام 2000، وبضربه خلال ولايته الدستورية وخلال ما مضى من نصف الولاية غير الدستورية بفعل التمديد القسري وقبل ذلك عندما كان قائدا للجيش لكل الاطراف الذين حاولوا وقف مسيرة المقاومة او الاعتراض عليها. ومنها ايضا نجاحه في بناء الجيش اللبناني الذي تفكك او "فرط" اثناء حروب دامت نيفا و15 سنة، وتاليا نجاحه في فرض الامن والاستقرار في البلاد بشهادة كثيرين في الداخل والخارج حتى الذين منهم يناصبونه العداء اليوم. ومنها اخيرا عدم انقلابه على سوريا التي ساعدت المقاومة لانجاز التحرير من اسرائيل واوقفت الحرب في لبنان وحمت الجهات اللبنانية المؤمنة بعروبة بلادها والرافضة اي سيطرة اجنبية عليها.

طبعا تعترف الجهات المذكورة بغياب الانجازات الداخلية عن سجل الرئيس لحود وبمسؤوليته عن الكثير من الامور المفصلة اعلاه. لكن اعترافها بذلك لا يدفعها الى التجاوب مع الدعوات الموجهة اليه للاستقالة، ولا مع المحاولات الرامية الى فرض التنحي عليه لانها تعتقد ان لدى اصحاب هذه الدعوات والمحاولات روزنامة باهداف ترمي الى تغيير وجه لبنان والمس بسوريا واعادة لبنان الى المعسكر الغربي الذي تحركه دائما اسرائيل.

هل تنجح الجهات السياسية الداعية الى استقالة لحود او الجهات المتمسكة ببقائه؟

قبل الجواب عن هذا السؤال لا بد من الاشارة الى امرين مهمين. الاول، ان تحالف 14 آذار لم يكن امامه الا اعادة طرح استقالة الرئيس لحود وبقوة وزخم لاسباب عدة منها منع تحالف 8 آذار المدعوم من سوريا من استغلال الوقت الطويل الذي اضاعه التحالف المذكور منذ محاولة اغتيال الوزير مروان حماده، وخصوصا منذ اغتيال الرئيس الحريري، لتعزيز صفوفه والخروج من الموقع الدفاعي الذي وجد نفسه فيه الى موقع هجومي، علما انه نجح في ذلك الى حد بعيد. ومنها ايضا معرفته ان تعبئة الناس على النحو الذي حصل في 14 شباط الجاري ليست بالامر السهل، وخصوصا في ظل تفاقم الاجواء المذهبية والطائفية وتنامي الخوف من اللجوء الى الشارع بكل الوسائل الممكنة لمنع استكمال التغيير الذي بدأ بعد قتل الحريري. اما الامر الثاني، فهو تحول لبنان ساحة اساسية بل اولى للمواجهة السورية – الايرانية مع المجتمع الدولي. وبقدر ما يعقّد ذلك الوصول الى التغيير المطلوب او الى استكماله، فانه يوفر فرصة للنجاح في تحقيق هذا الهدف.

اما في ما يخص الجواب عن السؤال المطروح اعلاه، فان عددا من متابعي الشأن العام اللبناني عن قرب يقولون الآتي:

ان الطريقة التي يتحدث بها الداعون لحود الى الاستقالة توحي انهم مقتنعون بالنجاح في ذلك. ويثير هذا الاقتناع تساؤلا لدى اللبنانيين عما اذا كان اقتناعا فعليا ام ظاهريا الهدف منه الاستمرار في تعبئة الناس ريثما تتوافر الظروف الملائمة لدفعه الى الاستقالة.

تشير المعطيات المتوافرة الى ان اكثر ما يمكن تحقيقه من الدعوة الى الاستقالة في هذه المرحلة هو "اذلال" الرئيس وافقاده ما تبقى له من صدقية عند الجميع، اذا كانت بقيت له صدقية كهذه، الامر الذي لا بد ان يسهل التفاهم بين المطالبين بالاستقالة ورافضيها على بديل منه يوحي الثقة للجميع.

تشير المعطيات المتوافرة ايضا الى ان تحالف 14 آذار "الاول" اي الاساسي يملك الغالبية النيابية المنصوص عليها دستوريا لاقالة الرئيس او دفعه الى التنحي. وتشير ايضا الى ان احد ابرز اركانه الذين انشقوا عنه غير مغرم بلحود والى انه قد يسير في عملية اقالته اذا اخذت مطالب له وطموحات في الاعتبار. فهل يحصل ذلك او كيف؟ وهل يشكل التفاهم الذي وقّع اخيرا مع "حزب الله" عائقا امام عودته الى صفوف 14 آذار، وإن لناحية استقالة لحود، ام يسهل هذا الامر وذلك من خلال قيامه بدور الوسيط بين هذا الحزب والمطالبين بالاستقالة؟

لا بد ان يخيم موضوع الرئاسة الاولى على مؤتمر الحوار الذي دعا اليه رئيس مجلس النواب نبيه بري. بل لا بد ان يحدد اما نجاحه أو فشله. فالنجاح يتوقف على التوافق على استقالة لحود والفشل على رفض "حزب الله" و"امل" واستطرادا "التيار الوطني الحر" استقالة كهذه.

لا بد في بلد يمارس سياسيوه واحزابه سياسات طائفية ومذهبية، رغم تحدثهم بلغة وطنية، ان تراعى مكونات شعبه كلها في الخيارات الرئيسية وخصوصا في المواقع الكبرى، اذ لا يجوز وفقا لهذا المنطق ان يكون التمثيل الشيعي صحيحا اي معبّرا عن الغالبية الساحقة داخل الطائفة الشيعية في رئاسة مجلس النواب، وان يكون التمثيل السني صحيحا اي معبرا عن الغالبية الكبيرة داخل الطائفة السنية في رئاسة مجلس الوزراء وان يكون التمثيل المسيحي الصحيح والمعبر عن الغالبية المسيحية غائبا عن رئاسة الجمهورية. ووقوف العماد عون هنا مع لحود او بالاحرى "حمايته" اياه هما موقتان ولا ينبعان من اقتناع بتمثيله المسيحي بل من امور اخرى معروفة.

في النهاية يمكن الجزم بان معركة استكمال التغيير قد بدأت. لكنها قد تكون مفتوحة اما على الصدام او على التفاهم. والصدام مرفوض ويجب ان يكون ممنوعا. اما التفاهم فمطلوب شرط ان يكون صادقا وليس تتمة لسياسة المراوغة والمناورة والمواجهة التي تنفذها سوريا وحلفاؤها في لبنان القائمة على شراء الوقت ومحاولة الافادة من اي امر لتعزيز الدور والوجود بعدما صار غير مباشر. والمقصود بذلك ان يتم التفاهم، اذا أمكن التوصل اليه، على رئاستي الجمهورية والحكومة في وقت واحد لان البعض قد يعتقد انه من الممكن تعزيز وضعه بانتخاب العماد ميشال عون رئيسا للجمهورية وبالاتيان برئيس حكومة سني لا يمثل الغالبية السنية ولا تحالف 14 آذار وتكون له علاقات وثيقة مع دمشق.