تبدو المنطقة، في رأي مصادر ديبلوماسية غربية مطلعة، مشحونة بالأخطار التي قد تدفعها في سرعة نحو مواجهة كبيرة وخطيرة، كما قد توفّر في الوقت نفسه فرصاً للتوصل الى تسوية او تسويات تبعد شبح مواجهة كهذه. والمسؤولية الاساسية عن الانجاز الذي ستسلكه المنطقة، اي السلم او المواجهة، لا بد من ان يتحملها اللاعبون الاقليميون الاساسيون ومعهم اللاعبون الكبار. ورغم ان احدا في العواصم الكبرى في العالم، وفي مقدمها واشنطن، لم يتخذ قرارا في شأن اي من الاتجاهين المذكورين اعلاه، فان متابعي المشاورات الدولية المتعلقة بالشرق الاوسط الكبير عن قرب فيها يميلون الى الاعتقاد ان حظوظ المواجهة قد تكبر في المستقبل غير البعيد. وهم يبررون ميلهم بمجموعة من المعلومات والتحليلات ابرزها الآتي:

ادركت الدول الكبرى دائما الاخطار عليها، رعايا ومصالح، وعلى الشرق الاوسط برمته من الجمهورية الاسلامية الايرانية وسوريا بشار الاسد، سواء قبل تعزيز التحالف الاستراتيجي بينهما الذي تم اخيرا، او بعده. لكن شيئا ما جعل هذه الدول في الفترة الاخيرة، وتحديدا اميركا وفرنسا وبريطانيا والصين وحتى روسيا واسرائيل وغيرها، تستيقظ على حقيقة مهمة وخطيرة في آن واحد هي تفاقم الاخطار التي بدأ يرتبها المحور السوري – الايراني عليها وخصوصا بعدما بدأت عملية تركيبه تتخذ ابعادا عملانية وتاليا خطيرة. ومن هذه الاخطار اصرار ايران على عبور الخط الاحمر الدولي في الموضوع النووي، اي تمسكها بالحصول على الطاقة النووية التي يمكن ان تستعمل لاغراض عسكرية رغم اعلانها ان هذا الاستعمال سيقتصر على الاغراض السلمية. ومنها ايضا قرار سوريا وايران زعزعة الاستقرار اولا في لبنان من خلال تعطيل عمل الغالبية النيابية فيه واستعمال كل الوسائل اللازمة لذلك من سياسية وغير سياسية. وثانيا، في العراق من خلال توظيف العلاقات الجيدة لسوريا مع جماعات "المقاومة" ولايران مع الغالبية الشيعية. ومنها اخيرا قرارهما دعم الاسلاميين الفلسطينيين وخصوصا بعدما فاز ممثلهم الأقوى "حماس" في الانتخابات الاشتراعية قبل اسابيع. والمخططات الضرورية لمواجهة كل ذلك، من سياسية وعسكرية، يجري وضعها الآن في العواصم المعنية او بالاحرى تجري اعادة النظر فيها لكي تصبح متلائمة مع التطورات الجديدة باعتبار انها موضوعة من زمان.

اشارت مواقف ومعلومات ايرانية الى ان القيادة في طهران قد تكون جاهزة للتراجع في الموضوع النووي بطريقة تجعل التسوية مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وتاليا المجتمع الدولي، ممكنة. لكن الدول المعنية بالموضوع لا تبدو مستعدة لاعتماد سياسة "انتظر لترَ" لانها تعتقد ان ايران تعتمد سياسة كسب الوقت اولا لتلافي العقوبات الدولية، او ربما الضربات العسكرية، وتاليا للاستمرار في عملها النووي بغية وضع العالم امام امر واقع لا تمكن مواجهته عندما يصبح الوصول اليه ممكنا.

قد تكون الدول المعنية بالمنطقة وكلها كبرى وعظمى بدأت عملية توزيع ادوار ومهمات لاحداث التغييرات المطلوبة فيها. وفي هذا المجال يمكن الاشارة الى ان دور فرنسا الذي ستساعد فيه الدول الاخرى هو اعادة ترتيب الاوضاع في لبنان في صورة نهائية انطلاقا من تطبيق القرار الدولي 1559 واحد ابرز بنوده اليوم اسقاط رئيس الجمهورية العماد اميل لحود الذي مددت له سوريا خلافا للدستور وانتخاب رئيس جديد مكانه. ويمكن الاشارة ايضا الى دور اخر لفرنسا في سوريا يبدأ بالضغط عليها للانكفاء فعليا عن لبنان ولبدء اصلاحات داخلية وربما ينتهي بقرار العمل على زعزعة استقرارها الى درجة السقوط. وفي المجال نفسه يمكن الاشارة الى ان دور اميركا سيكون في ايران وسيكون الهدف منه زعزعة النظام لجعله قابلا للتسوية او العمل لاسقاطه، اذا تبين ان قادته غير راغبين في التسوية او عاجزين عن اتمامها.

لا احد يعرف داخل العواصم الكبرى المعنية من يبدأ تنفيذ كل الافكار او المخططات المفصلة اعلاه. لكن ما يعرفه المتابعون انفسهم، او بالاحرى ما يرجحونه، هو ان العملية "التغييرية" في لبنان قد تبدأ بعد تقديم المحقق الدولي الجديد سيرج برامرتس تقريره الاول الى مجلس الامن عبر الامين العام للامم المتحدة عن حصيلة التحقيقات في اغتيال الرئيس رفيق الحريري حتى الآن. ويعتقدون ان ذلك قد يكون خلال شهر آذار المقبل وربما في منتصفه. اما في ما يتعلق بالجمهورية الاسلامية الايرانية، فان محاولات زعزعة اوضاعها قد تكون بدأت في رأي المتابعين انفسهم. وهي لا بد ان تتصاعد وربما ان تتطور بعد انتهاء المحادثات بينها وبين روسيا حول تخصيب الاورانيوم، وخصوصا اذا كان الفشل هو نتيجتها. وذلك متوقع في اواخر اذار المقبل.

هل يبرر محور ايران وسوريا ومخططاته الاقليمية إقدام المجتمع الدولي، وتحديدا القوى العظمى والكبرى فيه، على اتخاذ قرار بضربهما او باطاحة نظاميهما؟

لا يعتقد متابعو المشاورات الدولية المتعلقة بالشرق الاوسط عن قرب، انفسهم، ان ذلك يشكل مبرراً كافياً لاستهداف سوريا وايران مباشرة. لكنهم يعتقدون ان ردود الفعل العنيفة على الرسوم المسيئة للرسول العربي الكريم اولا في الدانمارك ولاحقاً خارجهاـ، ايقظت مخاوف دفينة عند قادة الكبار في العالم وخصوصا عندما اجبرتهم اما على تقديم اعتذارات مذلة وهم الذين لا علاقة لهم بالموضوع، واما على الدفاع عن حرية التعبير رغم اعتبارهم الرسوم مقززة. وهذه المخاوف تنطلق من خوف ان يتحول الاحتجاج استراتيجيا شاملة معادية للغرب وللعالم، وان ينجح الراديكاليون الاسلاميون في تشكيل "اممية اسلامية" مجاهدة الامر الذي يهدد بمواجهة بين الحضارات والديانات وبالعمل لضرب المصالح الغربية والنفوذ الغربي في العالمين العربي والاسلامي.