د.عبدالهادي حواضري

وطالما أطل علينا السيد خدام سابقاً من قصره في مدينة النور , فالظرف المكاني يوجب عليه التحدث بلغة لم يألفها الساسة السوريون , منذ عقود عديدة !! فالديمقراطية والتعددية الحزبية والأطياف السورية المغيبة عن الساحة السياسية , إضافة للتكلم عن الأخوان المسلمين وأحقيتهم المشاركة في الحالة الديمقراطية القادمة , وكأنه لم يشارك أبدا في وضعهم على اللائحة السوداء , ولم يساهم في حظر جماعتهم وتجريم منتسبيها !! ولم يكن من قريب أو بعيد في قلب السياسة السورية لأربعين سنة مضت !!

في خبر أوردتة الجزيرة الفضائية عن لقاء بين الشيخ صدر الدين البيانوني المرشد العام للإخوان المسلمين في سوريا , والسيد عبدالحليم خدام نائب الرئيس السوري السابق في بلجيكا وعلى مدى يومين !! الأمر الذي لم ينفه البيانوني , وحينما سأله المذيع هل قدّم لكم عبد الحليم خدام اعتذاراً عن جرائمه التي تحدثتم عنها سابقاً في فترة الثمانينات ؟؟ أجاب البيانوني : نعم !! فسأله ثانية ولم ً لم يكن الاعتذار علنياً ؟؟أجاب البيانوني : أن عبدالحليم خدام بصدد طبع مذكراته ’ وسيذكر ذلك فيها !!

وهنا لست ممن ينكرون على الساسة أفعالهم , فأنا مقتنع تماماً بأن السياسة ليس لها دين , وهي تتعامل مع الأمور بلغة الممكن !! ولكن الأمر الذي يوقفنا عنده : هل الذاكرة خانت الأخوان المسلمين قليلا أو كثيرا , أم أن ما فعله خدام من لمم الذنوب !! هل يمكن للذي شارك حكم البلاد بسطوة الإقصاء أن يتقبّل الآخر؟؟ .. هكذا ودون مقدمات !! وهل يراهن الأخوان المسلمون على عبدالحليم خدام ؟؟ أم أن سياساته أبهرتهم ؟؟ ألم يكن عبد الحليم خدام هو أول من وصف بيان المثقفين 99 والمطالبين بالإصلاحات السياسية , عندما أتى إليه بعض المثقفين في مكتبه لتسليمه البيان /بالبيان الانقلابي رقم 1؟؟ !! ,ألم يكن لعبد الحليم خدام الباع الأطول باعتقال ما يسمى / ربيع دمشق ؟!

ألم ينتبه السيد البيانوني لردات الفعل التي ألمّت بالسوريين يوم خرج خدام على العربية ليتكلم أول مرة بعدما صام دهراً !! ليضع بلاده بمآزق أصابت تبعاتها الشعب السوري الذي عانى منه حين كان شريكاً بالحكم وحينما خرج على القانون / كبديل معارض!! وهل تكفي الاعتذارات من الذين سرقوا البلاد تارة , وجعلوها مزابلاً للنفايات النووية تارة أخرى , ثم لم يكتفوا بذلك ليخرجوا علينا من وراء البحار ليعطوننا درساً بالوطنية , وليرسموا لنا الطريق السوي للديمقراطية الأمريكية المنتظرة!! والتي ربما يكون عبدالحليم خدام أحد فرسانها !! فسبحان الذي يغير ولا يتغير !!

هل نسي السيد خدام , أن الشعب السوري لم يصب بعد , بفقدان الذاكرة , فما زال يتذكر من وقفوا في وجه التغيير والإصلاح !! وهل الكلمات المنسقة والشرود عند الإجابة تخلق محباً لوطنه , وكأن المواطن السوري يعيش على كوكب آخر , وأن الخديعة التي طالت السوريين عقوداً , ستطولهم ثانية !! أم أن الأمر يتعلق بحالة التنظير ليس إلا ..!!

أنا أرى أن الرهان على السيد عبدالحليم خدام في آلية التغيير والإصلاح المنتظرة , هي نقلة نحو الأسوأ وهو كمن يراهن على الجواد الخاسر !!