نضال الخضري

ما لا أفهمه هو الطاقة على استحضار الماضي ... وما لا أستطيع غفرانه هو المسافة المفروضة دائما ما بين عقولنا وقدرتنا على العمل، فكان "الفتنة" هي الصورة التي تحل بدلا من وجوه الصبايا، او من عنفوان الشباب الذي كان يغني يوما للمستقبل، فأصبح يتراخى باتجاه الماضي.

وتفجير المساجد ربما لا يذكرني بأي حقيقة طائفية، لكنه يستحضر امامي كل مشاهد التاريخ المتراكم وكأنه لوحة من الملهاة الإلهية. أو يكتبني من جديد في ثورة الزنج والبرامكة والقرامطة وحتى في واقعة الجمل. فهل مر التاريخ من هنا؟! أم اننا نستورد رجال التاريخ عبر السلطة التي نتوهم امتلاكها على الماضي؟!!
ولأن تفجير المساجد لا يعني سوى العقل المؤمن بالافتراق، وبأن "انقسام الأمة" نقمة وليس رحمة، وبأن جهنم مليئة بالإناث .... وبأن "الخالق" ينقلب إلى "يهوه" ليشبع رغبة الحرب والاغتصاب والدمار في أجسادنا ... فأنا اعتزل ... أتنحى من ضجيج الحقد واغنى رغم الخوف للعشق الذي يشكل الجميع.

ربما ينفجر التاريخ أمامي في كل لحظة، فأتذكر أننا منذ "سقوط" آدم اقتنعنا بأن "الأرض" يرثها "المجانين" وأصحاب القدرة على ابتلاع النار وقطع الأعناق واستخدام كاميرات الفيديو لتصوير الإعدام أو التعذيب في أبو غريب، لتصبح عدوى التوثيق ظاهرة تجتاحنا حتى في منازلنا، فنسجل قدرتنا على ابتكار الاستبداد، ومهاجمة حق الجميع في العيش أو التفكير أو الحب.

عندما تشتعل المساجد أدرك أننا بارعون في الانتحار ... في تسويق الموت والافتراق .... في البحث عن الانتحاب الذي تطلقه الإناث، وفورة الدم الباقية في عيون الذكور ... لكنني أخنق الصرخة لأن رغبة الافتراق لا تعنيني ... فأنا اعشق الآخرين لأنني أحيا بهم ... أعيش بالرغبة المنتشرة من عيون عشاق الحياة، والباحثون عن مساحة حرية داخل وطن يغص بالقحط وبالعطش وبالاستلاب.

وعندما تشتعل المساجد أعرف ان المستقبل لن يأتي إلا إذا فتحنا صدورنا ... إلا إذا مارسنا الحب وسط الموت ... وتحدينا الموت بابتسامة ... فالزمن باق فينا وليس برغبة الموت سواء كانت قادمة من "تورا بورا" أو من اناقة "البيت الأبيض، لأنه لا فرق اليوم بين الحقد المعلق على اللحى المغبرة أو بين مخارج الكلمات الملتوية وهي تبشر بـ"الحرب الإعلامية" ضد الإرهاب.