الحادث المدبر لتفجير مرقد الامامين في سامراء استهدف بلا شك إشعال فتنة طائفية مفتوحة، ولعل رد الفعل الأول كاد يلبي هذا الهدف لأن النفوس مشحونة والأسلحة منتشرة، ولأن المساجد والجوامع في كل مكان وليس أسهل من التعرض لها لتأجيج الاحتقان واستدعاء الثارات. لكن، لحسن الحظ، لا تزال هناك آمال وامكانات للسيطرة على الوضع، فلا المرجعيات تسعى الى منازلة مسلحة غير مضمونة النتائج، ولا أقطاب السياسة والاحزاب يريدون مثل هذا الانزلاق الى ما لا تحمد عقباه.

غير ان السيطرة على الوضع بضبط النفوس والتهدئة، أو حتى بمنع التجول، تبقى هشة وموقتة في ظل غياب ملحوظ لسلطة قادرة على فرض النظام وإبقاء «الدولة» مرجعية يحتكم اليها الجميع. ثم ان الحرب الاهلية، كي تقع وتصبح واقعاً يومياً معطلاً لأي كيان ونشاط، لا بد ان تكون القوى الاقليمية المحرضة عليها قد عقدت العزم على اشعالها واعتمدت هذا التوقيت الذي يناسب أغراضها وتكتيكاتها. ويبدو ان هذه القوى لا يناسبها اشعال الحرب الآن، لكنها لا تمانع حصول أي تدهور للأوضاع في الاتجاه الذي يخدم خطها.

إذاً، فخطر الحرب الاهلية موجود لأن منطقها أصبح موجوداً، والبعض يعتبر ان هذه الحرب بدأت منذ بدأ الاحتلال، وكل ما في الأمر انها بلغت الآن نهاية «مرحلة التسخين»، وأصبح أطرافها مستعدين للتصعيد والتصعيد المضاد، للجثث والجثث المقابلة، ولاعتداءات متقاطعة ومتبادلة على المساجد والجوامع... وإذا كانت هناك آمال في السابق لتفادي مثل هذه الحرب، الى ان أصبحت هناك ميليشيات، بل ميليشيات يرتدي أفرادها بزات قوى الأمن والشرطة. ولا يعني ذلك اطلاقاً التهوين من الدور الشرير الأسود لعصابات الزرقاوي، فقد كان ولا يزال مطلوباً ردع هؤلاء ودحرهم، لكن الذي حصل ان الميليشيات خلقت حالاً من عدم الثقة ووجهت اساءة بالغة الى «الدولة» الناشئة وحكومتها من دون ان تتوصل الى تحقيق الهدف المنشود، أي القضاء على المجموعات الارهابية وإنهاء دورها في العراق.

لا جدال في ان تفجير المرقد في سامراء أراد ايضاً مخاطبة الوسط السياسي المتأهب لمفاوضات تنذر بأنها ماراثونية من أجل تشكيل «حكومة وحدة وطنية». ومشكلة هذه الحكومة ان الجميع يعلن تأييده لها، لكن المعرقلين والمعترضين لتشكيلها كثر وفاعلون. أقل ما يفترضه خطر الفتنة هو ان يفاجئ الوسط السياسيين العراقيين بأنه توصل بسرعة الى صيغة حكومية ذات تمثيل عادل ومحكم. قد يكون ذلك من قبيل التمنيات، لكن خطورة الوضع تبرر كل تضحية من هذا التكتل أو ذاك. وأي تأخير في ولادة الحكومة سيكون مجرد فسحة أخرى لمروجي الفتنة كي يجربوا حظوظهم ثانية وثالثة الى أن ينجحوا حتى في اطاحة فرصة تشكيل الحكومة.

كان تصريح السفير الأميركي في بغداد، عن ضرورة استبعاد «الطائفيين» عن وزارات الأمن، قوبل بغضب واستياء من جانب جماعة «الائتلاف» الشيعي. والمفارقة ان ممثل سلطة الاحتلال كان يقول للمرة الأولى كلاماً لمصلحة العراق والعراقيين. صحيح أنه كان يتدخل في «الشؤون الداخلية»، لكن رافضي هذا التدخل هم أول المرحبين باستمرار وجود القوات الأميركية، بل يصرّون عليه. ولا يسأل هؤلاء المعترضون أنفسهم لماذا سمحوا لزلماي خليل زاد بأن يزايد عليهم في السعي الى «حكومة وحدة وطنية» لا يمكن أن يستقيم الوضع إلا بها، ومع ذلك فإنهم يتهربون منها، واضعين شروطاً تعجيزية أمام بناء تحالف حكومي.

الجنرال جون أبي زيد قائد القوات الأميركية في الشرق الأوسط، قال أمس، من العاصمة النيوزيلندية، إنه لا يعتقد بأن العراق يتجه نحو حرب أهلية. ولا يسع المرء سوى أن يجاري كل التمنيات التي تستبعد هذه الحرب، لكن هل يعني ذلك أن الجنرال بات يعرف العراق. والسؤال الذي يمكن أن يطرح على الأميركيين هو اين العباقرة الصهاينة والمتصهينين الذين نصحوا بالحرب على العراق وحرضوا عليها، ولماذا لا يملك هؤلاء الآن أي وصفة لمعالجة الوضع المتأزم بعدما اصبحت أخطاره تجبر الجنود الأميركيين على الاختباء والتزام الثكن، كما حصل أمس تحديداً؟