بات واضحاً ان رئيس الجمهورية العماد اميل لحود لم يعد رئيسا بالمعنى الفعلي للكلمة. فاخصامه والتيارات الشعبية التي تناصرهم بدأوا يتصرفون على اساس ان ولايته الممددة انتهت قبل اوانها. فمن جهة توسعت المشاورات السياسية في ما بينهم للبحث في افضل السبل لدفعه الى الاستقالة. ومن جهة ثانية حولوا مقاطعتهم الرئاسة الاولى رسمية قبل يومين وذلك عندما رفض وزراؤهم الالتقاء به والاجتماع برئاسته في قصر بعبدا، وانطلقوا بعد ذلك الى ساحة الحرية معلنين رسميا انطلاق معركة اسقاطه. وانصاره او مؤيدوه، علما ان هاتين الكلمتين لا تعبران عن حقيقة وضعه الشعبي والسياسي اذ لم يعد له انصار ومريدون، دخلوا معركة التغيير الرئاسي وان بالاستدراج فتخلوا عن التمسك به رئيسا حتى اخر يوم من ولايته مسلّمين بحقيقة ان استمراره صار متعذرا وبدأوا البحث في ما بينهم ومع حلفائهم المتنوعين في مسيرة التغيير وآليتها وفي الاسماء التي يرون انها تمثل طموحاتهم او على الاقل لا تهدد مكاسبهم. هذا على الصعيد الداخلي. اما على الصعيد الخارجي فقد ظهر بوضوح ان المجتمع الدولي الذي اعتبر اي تمديد لولاية الرئيس لحود قبل حصوله خرقا للدستور فاصدر قرارا من مجلس الامن حمل الرقم 1559 يحذر منه ويرفضه والذي لم يفعل شيئاً منذ اكثر من سنة لتطبيقه وخصوصا لناحية التمديد غير الشرعي وغير الدستوري، فقد ظهر ان هذا المجتمع اطلق صفارة الدعم للبنانيين بعدما قرروا الانطلاق للتغيير وهو كان ينتظر قرارهم ونضوج الظروف التي ربما تكون نضجت.

لكن ما ليس واضحا حتى الآن هو كلفة التغيير في الرئاسة الاولى. فالبعض من متابعي الوضع اللبناني والعارفين في قضايا الامور يعتقد ان العنف سيكون كلفة تغيير الرئيس اميل لحود وان مؤيديه في الداخل والخارج لن يؤمنوا نصرا سهلا لاخصامهم بل سيجعلونهم يدفعون ثمنه دماً ربما كي لا تسهل اي عمليات اخرى مستقبلا يمكن ان تهدد مصالح سياسية معينة داخلية واقليمية او يمكن ان تضعف افرقاء يعتبرون الآن الاقوى على الساحة الداخلية. والبعض الآخر منهم يعتقد ان الثمن الذي سيدفعه اللبنانيون في مقابل التغيير سيكون في "نوعية" من سيحل مكان الرئيس اميل لحود في قصر بعبدا. ويعني ذلك معاقبة المسيحيين اولا ثم سائر الفئات التي ناصبت لحود وحليفه الاقليمي العداء بايصال رئيس ضعيف الى بعبدا لا يملك من مقومات الرئاسة الفعلية الا انتماءه الى الطائفة المارونية ولا يستطيع ان يبادر في اي موضوع او ان يمارس دوره الرئاسي المنصوص عليه في اتفاق الطائف.

اما البعض الاخير من هؤلاء المتابعين فيعتقد ان ثمن التغيير قد يكون في ابعاد اقطاب "14 آذار" عن الرئاسة الاولى وايصال شخصيات قادرة على وصل ما انقطع مع سوريا وحلفائها اللبنانيين ولكن ليس من موقع الندية والتكافؤ الذي ظهر منذ اكثر من سنة حتى الآن ان غالبية اللبنانيين تتمسك به. ولا يستدعي ذلك اختيار الرئيس العتيد من مسيحيي جماعة 8 آذار او موارنتها. فداخل جماعة 14 آذار الفضفاضة كثيرون تنطبق عليهم هذه الاوصاف.

كيف يمكن تخفيف تكلفة التغيير الرئاسي الذي صار حتميا او شبه حتمي؟

تخفيف التكلفة على اللبنانيين وعلى الوطن وعلى الدولة وخصوصا في ظل التأجج الطائفي والمذهبي الذي تشهده المنطقة والذي بدأ سعيره يطال لبنان ممكن بوسائل ثلاث هي الآتية:

اجراء المجتمع الدولي، رغم انه لم يعد يصلح وسيطا بعدما صار طرفا في صراع لبناني – لبناني وفي صراع لبناني – اقليمي وتحديدا سوري واستطراداً ايراني علما انه اساسا في صراع مع دمشق وطهران سواء بلبنان او من دونه، سلسلة مشاورات سريعة وبعيدة عن الاضواء مع اطراف الداخل اللبناني ومع الدول الفـاعلـة في الـمنطقة بمـا فيها الدول التي يخوض مواجهة معها وذلك بغية التفاهم على منع عودة الحروب الى لبنان، وعلى قيام رئاسة جديدة فيه توحي الثقة للجميع على اختلافهم وقـادرة بـمـا لـهـا من وزن وعقـل وحـكمة وليـس فـقـط من شعبية على ان تكون جامعة للبنانيين بل جامعة للجمهورية التي عاد التفتت اليها، علما انه لم يغب عنها يوما في عز الاحتفالات بانتهاء الحرب وبقيام السلم الاهلي. وهذا الامر ليس جديدا. فقد حصل مثله عام 1958، علما ان نزول "المارينز" هذه المرة الى لبنان قد لا يكون ضرورياً او مستحبا.

قيام المجتمع العربي عبر الدول العربية الفاعلة فيه بدور اساسي اولا لإقناع سوريا برفع الغطاء عن الرئيس لحود الذي يسهل رفع غطاء حلفائه او بالاحرى حلفائها عنه، فينتخب رئيس جديد للجمهورية تكون احدى مهماته قيادة حوار جدي مع دمشق لتطبيع العلاقات بل لاقامة علاقات متكافئة وسليمة لم تقم يوما بين البلدين الشقيقين. وثانياً لاقناع الاطراف اللبنانيين بان التفاهم على كل الامور في الداخل ومع الخارج الشقيق افضل لان البديل منه خراب لا يريدونه ولا يحتملونه كما لا يريده اشقاؤهم العرب. ويجب الا يعوق الدور العربي المذكور اي "نرفزة" تشعر بها حاليا دول عربية معينة ساعدت لبنان دائما ولا تزال جاهزة لمساعدته حيال بعض قادته وتياراته او اي "احباط" نتيجة فشل مساع سابقة لها. ذلك ان دورها هو الوصول الى اتفاق لبناني – سوري نهائي وليس الى اتفاق غامض كما جرت العادة دائما تقوم الجهة الاقوى بتفسيره على ذوقها ووفقا لمصالحها، وهذه الجهة ليست لبنان حتما.

وعي الاطراف اللبنانيين الى ان التعقل والاسترشاد بالمصلحة الوطنية دون المصالح الاخرى من داخلية وخارجية وحده يجنبهم مصيرا اسود كالذي تلوح طلائعه في افق العراق وكالذي عاشوه بين 1975 – 1990 وحاولوا الخروج منه بين 1990 و2005 من دون جدوى. و"نعمة" هذا المصير ستشمل الجميع ايا تكن انتماءاتهم ومواقعهم.