محمد ح. الحاج

من الواضح أن مفهوم العمل المتقن ، هو العمل الكامل ، وأن الجريمة الكاملة ، هي الجريمة التي لا دليل على مرتكبيها، وأن الاستخبارات الناجحة هي التي لا تترك وراءها أثراً ولا دليلاً، ولا ... شاهداً ..!

أطوار بهجت، شهيدة الصحافة، الشهادة بالصوت والصورة، لنقل الحقيقة ، مثلها كمثل من سبقها من شهداء هذه المهنة، التي يتبادر إلى بعضنا أنها قد تصبح ليس مهنة المتاعب فحسب ، بل مهنة المخاطر، والكثير من المخاطر ركوبها هواية أو غواية، أو جنون، لكنها قد تكون ، أو تصبح ... مكروهة ، أطوار كانت تبحث عن الحقيقة على مداخل سر من رأى ، وهي بالتأكيد رأت ما لم يسرها، أو يسر أحداً منا نحن المحسوبون على المهنة والقلم ، الذين فقدناها .

مقاتلون ،... نعم ، لكن سلاحنا الوحيد، الكلمة.. والفكر، والتحليل، ونقل الرأي، والرأي الآخر، والصورة التي تدحض كل افتراء وادعاء كاذب. - هل اكتشفت أطوار في لحظاتها الأخيرة جانباً من سر الذين ارتكبوا جريمة سامراء .. مصادفة ..؟ وهل يكون هذا الاكتشاف هو الأساس للحكم بتصفيتها وزميليها كشهود غير مرغوب باستمرار وجودهم ..! هل شاهدت بمحض الصدفة عناصر ممن شاركوا في العملية بلباس مغاوير الداخلية فعرفت جنسية أو شخصية البعض منهم، أو أرقام اللوحات أو غير ذلك ..؟؟؟.

في فيلم أمريكي ، كانت العصابة مجموعة من رجال الشرطة ...، ولا غرابة في الأمر ، فمن أجل الدولار يتعاون قادة الشرطة وبعض عناصرهم مع عصابات المافيا، وإذا ما خرج أحد من هؤلاء ( الشرطة ) عن خطة المجموعة، ثم أراد أن يستشرف ويحقق العدالة تتم تصفيته بكل الطرق، وقد كان ذلك من أساسيات قصة الفيلم، طبقاً للواقع الأمريكي، وفي السياق، جرى تصفية أفراد عائلته واحداً تلو الآخر بدءاً بالزوجة وانتهاء بالطفل الصغير، لرؤيتهم وقائع الجريمة، ومعرفتهم بأفراد المجموعة ، ورغم تعبير القتلة عن عدم رغبتهم في هذا العمل، لكنه قانون المهنة ... لا تدع خلفك شاهداً حتى ولو سمع صوتك . لست أدري لماذا استعدت أحداث الفيلم وأنا أستمع وأشاهد خبر فقدان أطوار بكل ما كان لها من حيوية وبراءة ... مطلوب أمريكياً قتل البراءة، .. قتل الشباب ، وقتل الحقيقة أيضاً..، ألم يقتلوا طارق وأمثاله..؟ ألم يقصفوا مقرات المحطات التي كانت تلاحق بعدساتها سلوكهم اللاإنساني واللاأخلاقي في كل العمليات ..؟ ألم يفبركوا أكثر من قضية للكثير من المحررين والمراسلين ، وحتى الفنيين ..؟ ألم يضغطوا على الحكومة والمحاكم الاسبانية لتصدر حكماً سياسياً على تيسير علوني ..؟ - ألم يعتقلوا المصور سامي الحاج ويزجوا به في غوانتانامو ، وهل أفصحوا عن التهم الموجهة له ليتبين البشر صدقهم من كذبهم ..؟ مسكينة أطوار .. رحلت ، أخذت معها طموحها، وأحلامها ،... حبها لعائلتها ووطنها ، والأهم عملها في مهنة المتاعب التي أصبحت .... مهنة ملعونة ( عذراً) .

لن أقول أن قوات التحالف فقط من يستطيع الحصول على المعدات والألبسة والآليات المخصصة لعناصر الداخلية ، أو الدفاع على أرض العراق ، لكنهم الأكثر مقدرة على فعل ذلك، ثم أن الجريمة حصلت خلال منع التجوال، وهم الأكثر أحقية في التجوال دون عائق، ويبقى الأهم، وهو أن الخطة ودقة التنفيذ لا تحملان بصمات المحلية، لا المقاومة، ولا المليشيات – وقد أضحت الأخيرة مجرد عناوين يتستر خلفها كل من قصد الوقيعة والتخريب على أرض العراق، وبين أبناء العراق من مختلف تشكيلات قوات التحالف، وسواء لبسوا الزي العروبي – أو العسكري الوطني، فإنهم ...هم ، مكشوفون، ومعروفون، فإن لم ترهم عيوننا، وتلتقط صورهم كاميراتنا ، ونسمع أصواتهم بآذاننا، فإننا ندركهم بعقولنا، ونستطيع أن نتخيل كل حركة وخطوة يخطونها، وهم يعتقدون واهمين أنهم قد يظلوا مستترين إلى الأبد .

المجد لدم أطوار المسفوح على بوابات مسقط رأسها، والمجد لدم زميليها، والمجد كل المجد لشهداء الإعلام حملة القلم، حملة الرسالة بالصوت والصورة والتقارير الحاملين دماءهم على الأكف ، بحثاً عن الحقيقة، والخزي والعار، للقتلة أينما كانوا وحيثما حلوا ، عديمو الحس والضمير، وأتساءل : كيف يغمض عيناه من توجهت يده برصاصات الغدر إلى صدور هؤلاء الأبرياء الشرفاء ..؟ أشك بأنه ينتمي إلى عالم الإنسانية .

ما الذي ستفعله المنظمات المدافعة عن مهنة المتاعب ، والمعنية بأمن وسلامة الصحافيين...؟؟ - وما الذي ستفعله منظمة مراسلون بلا حدود ؟.. وهل سيطلبون الأمن والحماية من الدولة التي تدعي حماية الديمقراطية والحريات عبر العالم ..؟ وهي .. هي من تدفع بأدواتها لإخراس الجميع ..!!.