كل الرؤساء رؤساء في الجمهورية ما عدا رئيس الجمهورية. فهو الرئيس غير الرئيس. رئيس في جمهورية بلا رئيس. رئيس بلا رئاسة. رئاسة بلا رئيس. ذلك أنه لكي يكون الرئيس في رئاسة عليه أن يكون رئيساً. فالرئاسة عندما تنفصل عن الرئيس تصبح رئاسة بلا رأس. وعندما ينفصل رأس الرئيس تصبح رئاسة بلا رأس. وعندما ينفصل رأس الرئيس عن الرئاسة يصبح الرئيس البلا رأس بلا رئاسة. وعليه، فالرئاسة ليست رئاسة لأن الرئيس ليس رئيساً.

ذلك أنه ولكي تكون الرئاسة موجودة ينبغي أن يكون الرئيس موجوداً. فالرئيس، وإن موجوداً، بالبدن والبشرة واللقب. والمراسم والمراسيم وتصفيفة الشعر والفخامة والضخامة والبدلة والصوت والصورة، والمشية والقعدة والوقفة لكنه غير موجود في الرئاسة. ديكورات الرئاسة لا تصنع رئيساً أو رئاسة. فهو، في الواقع، ومن دون أدنى شك، يجلس على كرسي الرئاسة. (وقد يتربع أو يتمدد أو يتغوّط) لكنه يجلس لكي لا يجلس، جلسة من دون جلوس. أو جلوس من دون جلسة. فالجلسة لكي تكون رئاسية لها شروطها ومستلزماتها وإلا بقيت مجرد كومة بدنية هشة أو متماسكة، أو متينة، أو صلبة، تجلس في كرسي. وعندها يكون الكرسي، أي كرسي، والجلسة أي جلسة، والبدن أي بدن. إذ أن القعود الجيد في الكرسي لا يجعل من الكرسيّ كرسياً غير شاغر. ولهذا فالرئيس المقتعد يقتعد كرسياً غير مُقْتَعَد. أي يجلس على كرسي شاغر ولا يملأه. يجلس على كرسي شاغر ثم يبقى الكرسي شاغراً. كرسي شاغر ثم رئيس يجلس على كرسي ويبقى شاغراً. ثم وعندما يجلس يجد أنه لم يجلس. وهكذا، فالرئيس (لحود) عندما يعبئ الكرسي ويظن أنه عبأ الكرسي، تكتشف أن الكرسي هو الذي يعبئ الرئيس. وأن الرئيس هو الذي يُفرغ الكرسي من الجلوس. يعني أن الفراغ، بكل ما يزن ويحمل ويمتد يجلس قبل الرئيس على الكرسي.

ثم يجلس بعده. ثم يجلس أثناء جلوسه. ولهذا لا يمكن أن تميّز بين كرسي جالس في كرسي. ورئيس جالس في كرسي. أو كرسي يعبئ رئيساً. أو رئيس يعبئ كرسياً. وعلى هذا الأساس يمكن أن ترى الكرسي ثم لا ترى الرئيس. أو ترى الرئيس ثم لا ترى الكرسي ثم لا ترى الرئيس. أو ترى الرئيس ثم لا ترى الكرسي. ذلك أن الكرسي عندما يشغر يحتاج الى مَنْ يسدّ الشغور. والرئيس (لحود) عندما يجلس في الكرسي يزداد شغوره. وهذا يعني، إما أن الكرسي وَهْمٌ غير موجود. أو أن الرئيس وهمٌ غير موجود. ومن الصعب أن يجلس الوهم غير الموجود في وهم موجود. أو أن يكون الرئيس وهماً غير موجود ويجلس في كرسي موجود. وعندها من الصعب أن يجلس وهم غير موجود في كرسي موجود. أو أن الكرسي غير الموجود يجلس فيه رئيس موجود. وعندها من الصعب أن يجلس رئيس موجود في كرسي غير موجود. وعندها، يمكن أن تجد رئيساً يبحث عن كرسي. أو كرسياً يبحث عن رئيس. وقد تعثر على الرئيس ثم لا تعثر على الكرسي. أو تعثر على الكرسي من دون أن تعثر على الرئيس. أو لا تعثر لا على الكرسي ولا على الرئيس. ويمكن وفي باب الافتراض أن ترى شخصاً يجلس في كرسي القصر، لكن تكتشف أن مَنْ يجلس في كرسي في قصر للرئاسة ليس الرئيس. أو أن يجلس كرسي في قصر للرئاسة على رئيس. لكن تكتشف أن الكرسي الذي يجلس على الرئيس في قصر الرئاسة ليس كرسي الرئيس. وعندها تحتار. أيهما الرئيس: الذي يجلس على الكرسي. أو الكرسي الذي يجلس على الرئيس. ذلك أن الرئيس عندما يكون بلا رئاسة. يصبح الكرسي بلا رئيس.

وعندما يكون الرئيس رئيساً افتراضياً يكون الكرسي كرسياً افتراضياً. والكرسي الافتراضي يمكن أن يكون مفروضاً على الرئيس. والرئيس الافتراضي يمكن أن يكون مفروضاً على الكرسي. فلا الكرسي الافتراضي يجعل الرئيس رئيساً. ولا الرئيس الافتراضي يجعل الكرسي كرسي الرئاسة. ذلك أن الرئيس المفروض قد يكون أصغر من الكرسي فيتسع الكرسي عندها لعدة "رؤساء" معاً. أو قد يكون الكرسي أصغر من الرئيس فلا يتسع لقعدته ولا لملابسه ولا لثقله. ولهذا يمكن أن تتعدد الكراسي ويكون الرئيس واحداً. ويمكن أن يتعدد الرؤساء ويكون الكرسي واحداً. بحيث ترى أن عدة رؤساء يجلسون في كرسي واحد. أو رئيساً يجلس في عدة كراسٍ. وهذا اجتهاد من باب الظن. ذلك أنك يمكن أن ترى أيضاً نصف كرسي يجلس فيه رئيس كامل. أو نصف رئيس يجلس في كرسي كامل. بل وأحياناً ترى قائمة كرسي يجلس عليها رئيس غير قائم. أو رئيساً جالساً على كرسي قائم. وهنا عليك أن تفرّق بين قائمة الكرسي (إذا استطعت) وبين قوائم الرئيس. ومن الصعب جداً في هذه الحال أن تميّز رِجل كرسي من رِجل رئيس. أو قعدة كرسي عن قعدة رئيس. أو لون كرسي عن لون رئيس. وعندها يصبح الرئيس من متاع الكرسي. ويصبح الكرسي من متاع الرئيس. يصبحان متاعين. لكن من دون أن يخطر ببالك أن تفصل بينهما. ذلك أن الرئيس عندما يصبح كرسياً ينتفي وجود الرئيس. وعندما يصبح الكرسي رئيساً ينتفي وجود الكرسي. وفي الحالين يفقد الاثنان صفاتهما الأولى. فلا الكرسي كرسي. ولا الرئيس رئيس. بل ويمكن في هذه الحال أن يتبادلا صفاتهما. فيكون الرئيس بمزاج الكرسي، وصمته. وقبوله. وفراغه. وخشبه. ومعدنه. ويكون الكرسي بمزاج الرئيس. بثقله. وغيابه. وذله. وجمهوره. وجماده. ولهذا، عندما تطالب بأن يُخلي الرئيس الكرسيَّ، فقد يحدث أن الكرسي هو الذي يخلي الرئيس. والعكس صحيح، وذلك أنه عندما تطالب أن تنقل الكرسي من القصر الى أي مكان آخر، فقد ينتقل الرئيس من القصر، ويظن نفسه الكرسي، أو ينتقل الكرسي من القصر، ويظن نفسه الرئيس. فالتأويل مقبول في هذه الحالات.

ذلك أن اميل لحود منذ انتحابه (لا انتخابه)، ومنذ تغييبه (لا تعيينه) احتل كرسياً. ثم احتله الكرسي. وحالة الاحتلال المتبادل تفسِّر كيف أن رئيساً عندما يحتل كرسياً يصبح رئيساً على الكرسي (لا الجمهورية)، وكيف أن كرسياً عندما يحتل رئيساً يصبح الكرسي رئيساً على الرئيس. واميل لحود في جلوسه على الكرسي وهو واقف، أو في وقوفه عليه وهو جالس، يخلط بين كونه رئيساً على وقوفه في الكرسي، وبين كونه رئيساً على جلوسه في الكرسي. وفي الحالين، لا يتعدى لا جلوسه ولا وقوفه حدود قوائم المقعد أو الكرسي. وهكذا دواليك. لأنه عندما مدّد للحود لم يستطع أن يعرف ما إذا كان مُدّد له، كرئيس وكشخص وككائن وملابس وكراات وأضراس ولثة وزلعوم، أو مُدّد للكرسي، فمن المعروف أنه قد يمدد (قسراً) للرئيس من دون أن يُمدَّد للكرسي. فتنتهي ولاية الأول ولا تنتهي ولاية الثاني. أو قد يمدد (قسراً) للكرسي ولا يُمدد للرئيس. في الحالة الأولى يصاب الكرسي بالشغور. وفي الحالة الثانية يصبح الرئيس شاغراً. وعندما يصبح شاغراً (وتتكامل مواصفات رئاسته)، من الطبيعي أن يمتد الشغور الى الكرسي.

والعكس صحيح. وهكذا، ومنذ التمديد نعرف أن الشغور الذي يصفر في كفي الرئيس، وفي رأسه، وفي حضوره، (فهو حضور صافر) ينتشر ليصيب الكرسي. وهنا يتساوى الاثنان: رئيس شاغر في كرسي شاغر. والسؤال: كيف يعبئ رئيس شاغر كرسياً شاغراً. كمن يعبئ الصفر بالصفر أو الفراغ بالفراغ. لكن يحدث أن تكون المرآة التي يتمرأى فيها الرئيس مليئة. ربما بالملابس. والكرااتات. والصداريات. والبفتاك، والدجاج والقنابل والمسدسات وخرائط القتل وأسلاك التنصت وأرقام الموتى، وعندها يظن أن ما يراه في المرآة، ليس حالة شغور بل حالة امتلاء، وأن حالة الشغور ليست في كرسيه أو فيه بل في أمكنة أخرى. وهنا يمكن الكلام على فصام حاد وميلودرامي وحتى هزلي في المخ والمخيخ، في الرؤيا والرؤية، في العاطفة والانتقام، في الشر وفي الأذية، في الحلم وفي العلم. وعندها ومن باب التعويض والايهام، يمكن أن يتنفخ الجسد كأنما عولج بمنفخ طويل. ثم ينتفخ العقل فيصير مثل الكوابيس. ثم ينتفخ الكلام فيصير فقاعات تعلق على ضرس الرئيس ثم ثم زلعومه ثم مناخيره ثم في الهواء. ثم ينتفخ كل شيء من ملابسه الى بنطلونه الى أعضائه فالى الجدران والبلاط واللمبات وصولاً الى الكرسي الذي ينتفخ بدوره. ينتفخ. ثم ينتفخ. ثم يخف من شدة انتفاخه ثم يحط، من شدة خفته "اللامتناهية" على أنف الرئيس المنفوخ كالمنطاد. كرسي منفوخ على أنف منفوخ! فيا لسلطة العجائب والفانتازيا. ذلك أن الانتفاخ الأخير، لا يشبه انتفاخ البالون فقط، أو "نفخة" الامعاء أو نفخة الشرايين، أو نفخة الأقفية، وإنما يشبه أحياناً نفخة الموتى. بعد الغرق. الغرق عميقاً بسرعة السهم والمعادن والصخور. ليطفو الغرقان أخف من قشرة. أو فلينة على سطح هادئ. ذلك أن الغرق هو نوع من أنواع الشغور. وهكذا، ينتفخ، أيضاً، الكرسي الشاغر. ويطفو على بلاط القصر. يطفو وحده. والرئيس الشاغر ينتفخ ويطفو وحده. وهكذا، فلا الكرسي المنتفخ يلتقي قعدة الرئيس المنتفخ. ولا قعدة الرئيس المنتفخ تحط على قعدة الكرسي. قعدتان شاغرتان.

كرسي منفوخ طافٍ، رئيس منفوخ طافٍ. غريق منفوخ طافٍ في كرسي منفوخ طافٍ. وبهذا يدرك الجميع، أن الرئيس المنفوخ لم يعد موجوداً ليكون رئيساً، وأن هذا الرئيس المنفوخ ازداد شغوره بقوة الانتفاخ، إذاً لا يمكن لرئيس منفوخ وشاغر أن يستمر في حمل لقب رئيس. لأن اللقب يليق بغير المنفوخين وبغير الغرقى وبغير الشاغرين. على هذا الأساس، يبقى الكرسي في مكان. والكائن المنفوخ في مكان آخر. وعلى هذا الأساس، تقوم جهود حثيثة، لنقل الرئيس الشاغر والمنفوخ الى جهات أخرى، تماماً كما ينقل غريق بعد غرقه... متحللاً، متفسخاً بين حيطان القصر، وحول الكرسي. منتناً يملأ نتنه الجمهورية من أقصاها الى أقصاها.

في انتظار ذلك، والأمور باتت ملحة، وحفاظاً على الصحة العامة، وحرصاً على عدم انتشار الأوبئة، وسعياً الى استعادة كرسي الجمهورية يسعى الجميع الى نقل المنفوخ.
لكن مع هذا ما زال الرئيس هناك. لكنه الرئيس الذي لم يعد له من الرئاسة حتى الاسم... في الوقت الذي نجد أن كل الرؤساء في لبنان رؤساء ما عدا هذا الرئيس. وفي الوقت الذي نجد أن حالة الانتفاخ نفسها في طريقها الى التنفيس. وحالة "الانوجاد القسري" حالة في طريقها الى الانقراض.