هآرتس

ألوف بن

منذ الإعلان عن فوز حماس في انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني، قبل ثلاثة اسابيع، أظهر إيهود أولمرت سلوكاً منطقياً. فهو سعى كي يبدو حازماً في نظر الجمهور لكن من دون أن يبث الخوف ويثير الهلع، وفوق كل شيء أولى أهمية للتنسيق مع الأسرة الدولية. والقرارات التي اتخذها منذ فوز حماس تدمج التصريحات الحادة ضد السلطة الفلسطينية مع الخطوات الرمزية على الأرض، بحيث لا تخرج عن التفاهمات السابقة مع الإدارة الأميركية: نعم لتجميد الأموال لكن ممنوع إغلاق المعابر.
يسعى أولمرت لكسب الوقت وبلورة جبهة دولية مقابل حماس، الى أن تتضح نوايا الحكومة الفلسطينية الجديدة وتنقضي الانتخابات في إسرائيل. وهذا الأسبوع اشاروا برضى في مكتب رئيس الحكومة الى أن حماس تجد صعوبة في نيل المباركة الدولية، على ضوء رفض قادة تركيا، روسيا، مصر والأردن الاجتماع مع قادة الحركة. والمكان الوحيد الذي فرش فيه لقادة حماس السجاد الأحمر كانت طهران، حيث سمعوا هناك من الزعيم الروحي، علي خامنئي، أن انتصارهم في الانتخابات كان "مفاجأة حلوة وإشارة الى أن الله يفي بوعوده". كما أن صورهم المشتركة مع داعية التدمير ومنكر المحرقة، الرئيس محمود أحمدي نجاد، الذي وعد بتدخل إيراني عميق في المناطق الفلسطينية، ساعدت الدعاية الإسرائيلية. وفي هذا المجال قال موظف إسرائيلي رفيع المستوى مازحاً: "يمكن التفكير بأن الموساد هو من نظم اللقاء في طهران".
المباحثات والمشاورات التي أجراها أولمرت بشأن طبيعة الرد الإسرائيلي إزاء صعود حماس هدفت الى إظهار وجود فعل، وبشكل رئيس الى ضم المؤسسة الأمنية الى القرارات التي اتخذها مسبقاً. ذلك أن حدود حرية العمل الإسرائيلي أجملت مسبقاً خلال المحادثات الهاتفية التي جرت بين دوف فايسغلاس وبين الإدارة الأميركية. وعلى ما يبدو كان هذا هو سبب قيام أولمرت بوضع فايسغلاس على رأس الطاقم الذي صاغ الموقف الإسرائيلي، بمشاركة رئيس الأركان، رئيس الشاباك، مدير عام وزارة الخارجية وعاموس غلعاد عن وزارة الدفاع. وقد طلب من رئيس مجلس الأمن القومي، غيورا آيلند، الذي يميل للمفاجأة من خلال تقديمم مواقف مستقلة، أن يقدم موقفاً مستقلاً.
مناورة الزعامة من قبل أولمرت كانت بسيطة. فهو سمح لوزيرة الخارجية تسيفي ليفني، ولوزير الدفاع شاؤول موفاز، إجراء مداولات مسبقة، خرجت منها عناوين الخطوات الحازمة ضد الفلسطينيين: فصل، تطويق وتدمير السلطة من خلال "حمية" فايسغلاس". هذا الأمر كان جيداً بالنسبة لحملة كاديما الانتخابية، مقابل حملات الليكود. لكن عندما حان موعد النقاش الإجمالي عنده، يوم الجمعة، استخدم اولمرت المناورة: اشتكى بصوت عال بسبب "التسريبات" وأرجأ القرار الى يوم الجمعة، بحجة أنه يتعين الانتظار الى حين أداء البرلمان في رام الله اليمين الدستورية. وعندها وافق أولمرت فقط على جزء من توصيات كل جهة، وخرج الجميع راضين لأن رئيس الحكومة بالوكالة أخذ مواقفهم في عين الاعتبار.
لقد نجح أولمرت في أن يظهر من هو الزعيم، لكن كان ثمة ثمن لمناورته. فالعناوين الصاخبة أثارت معارضة دولية لتحويل الفلسطينيين. وبدت اسرائيل مجدداً كمحتلة عنيفة متعالية، رغم أنها اتخذت خطوات الحد الأدنى.
سياسة الانعزال
الهدف المعلن للسياسة الاسرائيلية هو إرغام حماس على تغيير مواقفها، وأن تتحول السلطة الفلسطينية تحت قيادتها الى شريك مناسب. والأداة الرئيسية لتحقيق هذه الغاية هي تقويض "الشرعية الدولية" التي كانت دائماً ركيزة الفلسطينيين مقابل قوة إسرائيل الفائضة. وماذا لو لم تجد الضغوط نفعاً؟ من خلال مشاورات الأسابيع الأخيرة في القدس برز توافق واسع الى أنه في مثل هذه الحال يتعين على إسرائيل رفع مستوى التهديدات لفصل قطاع غزة عن الضفة الغربية.
هذا الخيار يسمونه في المؤسسة الأمنية "سياسة الانعزال". وتستند هذه السياسة الى حل الاتحاد الاقتصادي بين إسرائيل وبين السلطة الفلسطينية، المسمى الغلاف الجمركي، تحويل معبري كارني وإيرز الى معابر حدودية دولية، وتكف إسرائيل عن جبي الضرائب وضريبة القيمة المضافة لصالح الفلسطينيين في غزة، الذين سيكون في وسعهم استيراد بضائع من مصر والأردن عبر معبر رفح. كما سيتم منع دخول العمال من غزة، وسيتم فصل البنى التحتية للكهرباء والماء بشكل تدريجي.
يعتقد مؤيدو الفكرة أنه ثمة مصلحة لإسرائيل في الفصل بين جزأي السلطة. فغزة واقعة تحت السيطرة الواضحة لحماس، لكن الأمر ليس على هذا النحو في الضفة. غزة مسيجة وخالية من الإسرائيليين، أما في الضفة فثمة مستوطنات ومصادر على هذا النحو في الضفة. غزة مسيجة وخالية من الإسرائيليين، أما في الضفة فثمة مستوطنات ومصادر مياه وتلال تتحكم بغوش دان. فليأخذ الفلسطينيون غزة، وليقيموا فيها لأنفسهم بنية تحتية اقتصادية، مرفأ بحري وجوي، وليختبروا قدرتهم على إدارة دولة. أما الربط مع الضفة فلن يأخذوه مجاناً لأن إسرائيل ستطلب الحصول على مقابل لحصوله.
التنفيذ التقني لـ"سياسة الانعزال" يبدو بسيطاً، لكنه يثير صعوبات سياسية لا بأس بها. ففصل جزأي السلطة سيعتبر في العالم بأنه إلغاء أحادي الجانب لاتفاقات أوسلو، "خارطة الطريق" ورؤية بوش لدولتين، وسيفضي هذا الفصل الى إعادة غزة لتخضع للحكم المصري. وفي ظل الظروف القائمة، ستجد إسرائيل صعوبة كبيرة في تجنيد التأييد لهذه الخطوة، ولذلك يبدو أن الأمر يتعلق في هذه الأثناء بتهديد كلامي تجاه حماس وليس بسياسة عملية.
فك الارتباط التالي
البرنامج الانتخابي لكاديما يتجاهل عن قصد القضايا المطروحة على جدول الأعمال. فلا حماس ولا فقر. وهم يقترحون على الجمهور أن يختار قيادة وأن يعتمد عليها كي تعرف ماذا ستفعل. ومع ذلك، على الرغم من الضبابية المقصودة، فإن التوقع الجماهيري والدولي من أولمرت هو أن يقود إسرائيل لانسحاب إضافي في الضفة الغربية.
أولمرت ملزم بفكرة "حدود ديموغرافية" التي ستضمن أغلبية يهودية دائمة، وهو أيد بلا حماس فك الارتباط الأحادي الجانب عن غزة وشمال الضفة فيما كان أرييل شارون لا يزال متردداً بخصوص جدواها. ومن خلال تصريحاته كمرشح للانتخابات، تحدث أولمرت عن ضم الكتل الاستيطانية في أريئيل ومعاليه أدوميم وغوش عتسيون، والاحتفاظ بالسيطرة في غور الأردن. هذه الخارطة تترك على الأرض عشرات المستوطنات المنعزلة المرشحة للإخلاء.
النموذج الذي ترتسم ملامحه لفك الارتباط التالي هو نموذج شمال الضفة وليس نموذج غزَّة: إخلاء المستوطنين، تدمير بيوتهم واحتفاظ المنطقة المخلاة بمكانتها الراهنة، أي بقاءها تحت المسؤولية الأمنية والمدنية الإسرائيلية. وهذا يعني أن الجيش الإسرائيلي سيواصل دورياته ولن يسمح للفلسطينيين بإقامة قرية جديدة مكان المستوطنة التي تخلى. وهذه المنطقة ستسلم اليهم ضمن التسوية السياسية فقط، ولن تسلم من دون مقابل كما حصل في غوش قطيف.
في الظروف الحالية، يبدو أن هذا الأمر لن يحصل بسرعة كبيرة. بالعبر التي استخرجها الجيش الاسرائيلي من إخلاء غوش قطيف في الصيف، ومن حادثة عمونه مطلع هذا الشهر، أفادت أن المهمة قابلة للتنفيذ لكن الأمر البالغ الأهمية هو منع حصول شرخ داخلي. لذلك فمن الأفضل تنفيذ الإخلاء بالتوافق والحوار مع قيادة المستوطنين، قدر الامكان، وليس بالإكراه.
يبدو أن أولمرت يحتاج الى جهد كبير من أجل تجنيد التأييد الداخلي والدولي لفك ارتباط إضافي. هذا الأمر سيتطلب وقتاً وهو يثير أسئلة غير سهلة: هل يجب التحضير لخطوة كبيرة لانسحاب عميق، أم الاكتفاء بخطوات انتقالية صغيرة؟ ماذا يمكن لإسرائيل ان تحصل من الولايات المتحدة مقابل الإخلاء في الضفة؟
إن فوز حماس في الانتخابات يمنح الحكومة القادمة في القدس نفساً طويلاً ويعرقل في هذه الأثناء الضغط الخارجي لفك ارتباط إضافي. لكن فترة الاستراحة لن تستمر الى الأبد، حتى وإن كانت حماس في السلطة، وحتى لو ثار مجدداً مطلب تنفيذ انسحاب إضافي في الضفة. ومع أنه لا يتعين بعد على المستوطنين حزم أمتعتهم، إلا أنه من المناسب الانتباه الى الموقف السائد اليوم في القيادة الأمنية والذي يفيد أنه لا جدوى أمنية مباشرة من وجود المستوطنات وأنها لا تساعد في محاربة الارهاب. وبالنسبة للجيش فإن المستوطنات تلزم فقط بإرسال قوات لحمايتها، وهذا يتيح للجيش، بطريقة غير مباشرة، الإنتشار قريباً من المناطق الفلسطينية، لكن لا أهمية كبيرة لهذا الانتشار. فوحدات الجيش تنشط دائماً في جنين ونابلس، وفق ما تقتضيه الضرورة العملانية ومن دون أي صلة بالمستوطنات. وبحسب هذا الموقف، لا يوجد مستوطنة ذات موقع حاسم بالنسبة لأمن إسرائيل.