القلق الامريکي المتزايد من جراء تفاقم الوضع الامني في العراق بعد العملية الارهابية الاخيرة في سامراء، يؤکد حقيقة کون واشنطن من أکثر الاطراف تضررا من جراء ذلک. وعلى الرغم من تلک التظاهرات الحاشدة التي"تسيرها"طهران في الشوارع کي تسلط الضوء على الدور الامريکي"السلبي" و "المشبوه" في المنطقة و العراق، فإن ذلک الامر لا يعدو أکثر من کونه مسرحية أخرى من تلک المسرحيات التي أشتهرت بها طهران و البعض من الانظمة الشمولية الاخرى في المنطقة. لقد جاءت العملية الارهابية الاخيرة متزامنة مع الجهود الدولية الحثيثة لدفع کل من دمشق و طهران الى الإنزواء أکثر وصولا الى إجبار هاتين الدولتين على التخلي عن برامجهما السياسية ـ الامنية المثيرة للقلق في المنطقة و العالم.

والذي يدفع المراقب الى التوجس و الريبة من دور سوري ـ إيراني محتمل في السيناريو الارهابي الدموي الاخير في العراق، هو کونهما من أکثر الدول تأثيرا في الشأن العراقي کذلک کونهما أکثر الدول إستفادة من تداعيات إحتقان الوضع في العراق. الاعلامين السوري و الايراني يؤکدان ليل نهار على التخبط الامريکي في العراق و عدم وجود آفاق أي إنفراج بصدد مستقبل التواجد الامريکي في العراق، جاءت العملية الاخيرة لتشکل وقودا لکل المفاصل الاعلامية. إلا أن الضجيج السوري ـ الايراني الذي بات يطغي عليه إفتعال ظاهر يؤکد إن هذا الإحتفاء الضمني هو بمثابة إلتقاط إنفاس للعاصمتين المهمومتين بکابوس الضربة العسکرية على أمل أن يکون تداعيات الوضع العراقي بعد عملية سامراء يشکل عقبات کأداء في وجه واشنطن ويدعوها ذلک الى الى المزيد من التفرغ للشأن العراقي و ترک الملفات الساخنة الاخرى معلقة الى حين.

الانباء الوافدة من بغداد ومن مصادر موثوقة وقريبة من دوائر صنع القرار السياسي في العراق، تؤکد أن السفير الامريکي زلماي خليل زاد قد تفرغ کاملا للأمر و کلف جهات محددة بالعمل "الجدي" لوقف التداعيات السلبية عند سقف محدد، وتشير هذه المصادر بأن خليل زاد قد طلب من السيد مسعود البارزاني رئيس إقليم کوردستان شخصيا البقاء في بغداد وعدم مغادرتها لکي يستخدم نفوذه و علاقاته السياسية والعائلية المتينة بعدة أطراف سياسية عراقية رئيسية أملا في تحجيم نار الفتنة الطائفية التي يکوي لهيبها الامريکيين قبل غيرهم. وفيما يتزايد القلق الامريکي من هذا الوضع الطارئ في العراق، فإن الدوائر المطلعة تشير بأن واشنطن لن تسکت على هذا"المقلب" الخطير الذي صنعته أيادي ليست بعيدة عن "عاصمتي الشر" في المنطقة وإن الجهود الامريکية الاخيرة التي سارت في إتجاه إجراء "طلاق" إقتصادي بين دول أوربية معينة مع طهران، قد أفلحت أخيرا في إيطاليا حين قامت الحکومة الايطالية بحجز مبالغ إيرانية في البنوک الايطالية تصل الى800مليون دولار، کما إن حکومة الديمقراطيين المسيحيين في المانيا لم تعد توافق على إبرام المزيد من الصفقات الاقتصادية الجديدة مالم تغير طهران من مواقفها السياسيـة المثيرة لقلق المجتمع الدولي. هذا بالاضافة الى التغيير الواضح في الموقف الفرنسي بنفس السياق من طهران خصوصا وأن باريس تجد نفسها منساقة لتنسيق أکثر شمولا مع واشنطن.

وفي الوقت الذي يعم فيه حالة من الإرتياح بين أوساط المعارضة الايرانية، فإنها قد أعربت عن إرتياحها الکامل للتغيير الاوربي الاخير من طهران وحتى إن مصادر رئيسية في المعارضة الايرانية قد أکدت أن العمل الجدي لإزاحة الحکم الشمولي في طهران قد بدأ فعلا.أما دمشق، فإنها لا ولم ولن تکون بحجم الخطر القادم من طهران، ولذلک سوف يبدأ العد العکسي لطهران من دمشق وعلى طريقة عنترة أبن شداد العبسي حين کان يضرب المرتعد فرقا ضربة يهتز لها قلب الشجاع المندفع. ومهما يکن، فإن واشنطن التي لم تسر بما رأت في سامراء، سوف ترد الکرة في الملعبين السوري و الايراني کي تعود عملية سامراء في ناظريهما کما کانت في عين الخلفاء العباسيين الضعفاء حين سموها ساء من رأى!