"المعجزة" الديمقراطية التي نرسمها على شاكلة "الخيال" الأمريكي ستشكل البداية لفهم طبيعة الجغرافية التي نتعامل معها، لأن هذه "المعجزة" لا تحملها فقط كوندليزا رايس ولا حتى الكلمات التي تتداعى من فم الرئيس بوش وكأنها إحدى "فتوحات ابن عربي"، بل هي برنامج يدعي الجميع امتلاكه، او حتى قدرة التصرف به على سياق التغير الذي نقرأه في الروايات التراثية، حيث "يرث الأرض العباد الصالحين"، فيتوقف زمن الصراع أو التحول بانتظار معجزة جديدة.

ما يضع "المعجزة" اليوم أمامنا هو حجم التحليل أو التنظير عن "التحول الديمقراطي" أو التغير الذي ينتظر سورية، وهي على أبواب استحقاقات انتخابية العام القادم. وإذا كان البعض يستعجل هذا الاستحقاق معتبرا أن الأشهر القادمة حاسمة في هذا الاتجاه، فإن مسألة انتظار "المعجزة" بات واضحا ليس فقط على لسان "المعارضة" بل حتى في بعض التحليلات الأكثر اتزانا التي ترسم "السيناريو" الديمقراطي وكأننا نعيش على مساحة من الهدوء.
والخروج من "المعجزة" يتطلب بالفعل النظر إلى المسألة برمتها على أرضية منهجية جديدة، لأن التجارب الديمقراطية في العالم لم تكن تحولا بل رغبة اجتماعية، ولم تكن عملية process تبدأ بقانون الأحزاب والصحافة الحرة وتنتهي بصندوق الاقتراع، بل كانت "نمط حياة" و "حالة معرفية" تحكم رؤيتنا للأمور.

وإذا كانت "الحرية" هي المنفذ إلى "التحول" الديمقراطي فإنها في نفس الوقت لا تملك سمات "عصى موسى". بل محكومة بالخارطة السياسية والاجتماعية، وبطاقة هذه الخارطة على التعامل مع الحرية لإنجاز التحول.

ربما علينا البدء بالتفكير جديا بان المعجزة الحقيقية هي قدرتنا على التحرر من "الشكل الخارق" الذي نفهمه للتحول الديمقراطي، ورسمه من جديد على انه اجتماع رغبات، وتفاعل مساحة سياسية لإنجاز ما يمكن من هذه "العملية" ... ربما علينا ان نقرأ بالفعل هذه "العملية" على قاعدة البشر الذين نريد لهم هذا التحول، وليس على شاكلة بناء السلطة السياسية وتشكيل الدولة ثم وضع رسم لـ"المجتمع المدني".

"التحول الديمقراطي" إذا لا مسه التيار الثالث فإنه يسعى لإخراجه من إطار "المعجزة" محاولا سد الثغرة القائمة بما يمكن تسميته "الجغرافية المهمشة"، فالمجتمع السوري عموما ليس تكوينا بشريا، بل هو جغرافية من التفاعل تُنجح التحول او تحكم بمقاطعته لأنه لا يلامس طاقتها ومصالحها.

ربما نستطيع فهم "التحول الديمقراطي" بشكل تفاعلي إذا حاولنا بالفعل خوض هذا التحول كشأن عام وليس قضية نخب قادرة على التنظير مهما كان موقع هذه النخب.