تعطيل جلسات مجلس الوزراء اما لخلاف على مكان انعقادها لأسباب أمنية او سياسية كما يحصل حاليا، واما لخلاف على اعداد جدول اعمالها كما كان يحصل سابقا، اعاد البحث في الصلاحيات الموزعة بين السلطات بموجب دستور الطائف بحيث لا تظل ملتبسة او متشابكة ويتعذر على اهل الحكم وهم مختلفون، التوصل الى حل لها.

ويرى بعض رجال القانون والسياسة ان اتفاق الطائف وضع لكي يطبق في ظل الوصاية السورية، التي كانت هي المرجعية عند حصول أي خلاف، سواء بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، او بين اي منهما والوزراء، وبات من الضروري اعادة النظر في بعض نصوص الدستور المنبثق من هذا الاتفاق بما يتلاءم وعودة السيادة وحرية القرار الى لبنان بعدانسحاب القوات السورية وانتهاء زمن الوصاية، بحيث توضع آلية قانونية ودستورية لحل اي خلاف، او ايجاد نصوص تَحُول حتى دون حصول خلاف او التحسب لحالات الخلاف عند حصولها بين اهل الحكم، لأن احدا لا يضمن في كل مرة قيام حكم منسجم ومتجانس في البلاد يعمل وكأنه فريق عمل واحد.

ولقد اثار تطبيق المادة 53 من الدستور خلافات، اما لظهور عقبات لم يعالجها النص وإما لفقدان الانسجام والتفاهم بين اهل الحكم، بحيث يستطيع رئيس الحكومة تعطيل انعقاد جلسات مجلس الوزراء اذا شاء، وذلك بعدم الدعوة الى انعقادها، لأن توجيه هذه الدعوة منوط برئيس الحكومة من دون سواه، وان في استطاعة ثلث عدد الوزراء الذي تتألف منه الحكومة، اذا ما اتفقوا على التغيب عن حضور الجلسة، ان يحولوا دون انعقادها، لا بل ان عدم حضور وزراء طائفة واحدة، كما فعل وزراء "التحالف الشيعي" يَحُول دون اتخاذ قرارات مهمة في غيابهم لأنهم شركاء متساوون في الحكم ولا يجوز اتخاذ مثل هذه القرارات في غياب اي من الشركاء في السلطة. واذا كانت الاسباب الامنية قد قضت بعقد جلسات مجلس الوزراء مداورة، مرة في القصر الجمهوري ومرة في السرايا الحكومي، فان هذه الاسباب قد تحول دون انعقادها في اي من المقرين او حتى في المقر الموقت عند المتحف، كما حصل اخيرا، بحيث لا يستطيع رئيس الجمهورية او رئيس الحكومة الوصول الى حيث ينعقد مجلس الوزراء.

وثمة خلاف آخر حول بنود في المادة 53 ينبغي ايضاحها منعاً لأي تفسير او اجتهاد، مثل البند المتعلق بتسمية رئيس الجمهورية رئيس الحكومة الذي يكلف تشكيل الوزارة استنادا الى استشارات نيابية ملزمة. وقد خلا هذا البند من نص يُلزم النائب تسمية من يرشح لرئاسة الحكومة، ولا يَترك لرئيس الجمهورية تجيير صوته لمن يشاء، فيصبح الرئيس طرفا بين المرشحين لرئاسة الحكومة مما يفقده صفة الحياد، وهذا ما حصل في مستهل عهد الرئيس لحود عندما اعتذر الرئيس الحريري عن عدم قبول التكليف لأن عددا من النواب تركوا لرئيس الجمهورية تسمية من يشاء رئيسا للحكومة، واعتبر ذلك مخالفا للدستور، وكان هذا التصرف مدبَّرا لابعاد الرئيس الحريري عن السلطة وتكليف سواه تشكيل الحكومة، لا بل ذهب بعض المشاركين في خطة ابعاده الى حد القول ان نتائج الاستشارات ليست ملزمة لرئيس الجمهورية".

وينسحب الامر نفسه على البند 11 من المادة المذكورة التي تمنح رئيس الجمهورية حق عرض اي امر من الامور الطارئة على مجلس الوزراء من خارج جدول الاعمال من دون تحديد ما هو الطارىء منها. وقد حصل خلاف اكثر من مرة حول ذلك فاعتبر البعض ان ما عرضه رئيس الجمهورية من خارج جدول الاعمال ليس من الامور الطارئة... ومثله البند 12 الذي لا يمنح رئيس الجمهورية حق دعوة مجلس الوزراء استثنائيا كلما رأى ذلك ضروريا الا بالاتفاق مع رئيس الحكومة.

وتحتاج المادة 64 من الدستور الى اعادة نظر او الى تفسير بعض بنودها بحيث تحدد مهلة لمن يكلف تشكيل الحكومة فلا تظل هذه المهلة مفتوحة وتبقى البلاد من دون حكومة الى اجل غير معروف اذا كان الرئيس المكلف يتعمد ذلك لوجود خصومة بينه وبين رئيس الجمهورية، او بسبب خلاف بينهما على التشكيلة الوزارية، فلا رئيس الجمهورية يوقع مرسوم تشكيلها ما دامت غير مقبولة منه ولا الرئيس المكلف يعتذر عن التشكيل متخذا من المهلة المفتوحة لتشكيلها وسيلة ضغط لارغام رئيس الجمهورية على القبول بها.

والبند 6 من المادة المذكورة يثير خلافا حول وضع جدول اعمال مجلس الوزراء. فالبعض يرى ان عبارة "يطلع رئيس الجمهورية مسبقا على المواضيع التي يتضمنها وعلى المواضيع الطارئة التي ستبحث" تعني مجرد اخذ علم بذلك فقط، في حين يرى بعض آخر ان لرئيس الجمهورية حق المشاركة في وضع جدول الاعمال بحيث له ان يحذف منه ما يشاء ويضيف اليه ما يشاء توصلاً الى اتفاق على وضعه بينه وبين رئيس الحكومة.

وثمة مواد اخرى تثير الخلاف لأنها تربط تطبيقها بالتوصل الى اتفاق بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة مثل المادة 33 التي تربط افتتاح العقود الاستثنائية لمجلس النواب بالاتفاق بينهما، ومثل المادة 53 التي تربط صدور مرسوم تشكيل الحكومة ومراسيم قبول استقالة الوزراء او اقالتهم بالاتفاق بينهما ايضا.

واثار وزراء "التحالف الشيعي" موضوع خلاف جديد حول تطبيق المادة 65 من الدستور، وذلك بمطالبتهم بعدم التصويت على المواضيع الاساسية المحددة في هذه المادة، بل ينبغي ان يحصل توافق عليها، واذا لم يحصل فانها تبقى معلقة الى اجل غير معروف. وهذا يحتاج الى وضع صيغة تعطي مهلة قصيرة لمحاولة التوافق، حتى اذا لم يتم حسم الخلاف حول المواضيع الاساسية فإنه يحسم بتصويت اكثرية الثلثين. وقد يطلب البعض اضافة مواضيع اساسية الى ما هو محدد في الدستور كأن يصير التصويت بأكثرية الثلثين على ما يعتبره مجلس الوزراء من المواضيع الاساسية التي لا يجوز اقرارها بالأكثرية العادية.

ان الخلافات حول تطبيق عدد من مواد الدستور، كانت الوصاية السورية تتولى تسويتها او حسمها، تارة لمصلحة طرف وطورا لمصلحة طرف آخر وفقا للظروف. فبات على السلطة اللبنانية بعدما استعادت سيادتها وحرية قرارها، ان تتولى حسم هذه الخلافات بموجب آلية دستورية يتم الاتفاق عليها.