الرأي العام

حظيت فئة الشباب باهتمام المشاركين في الجولة الثانية لاجتماعات المجموعة الرفيعة المستوى لـ «تحالف الحضارات» التي بدت امس في الدوحة، والذي شهد جلسته الافتتاحية امير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني وحرمه الشيخة موزة بنت ناصر المسند.

وفي كلمة، افتتح بها اعمال الاجتماعات، طالب رئيس مجلس الوزراء الشيخ عبد الله بن خليفة آل ثاني، بـ «ضرورة التفكير مليا في فئات الشباب التى تقع عليها مسؤولية بناء الغد»، مشددا على ضرورة «ان تكون باستمرار فى صلب برامجنا شريكا استراتيجيا في بناء جسور التواصل بين الحضارات والتقارب في ما بينها»، محددا في هذا السياق مجالات عدة، من اهمها التعليم والثقافة والاعلام ومختلف وسائل الاتصال «التي يتعين عليها ان تقبل بحرية الفرد مع احترام القيم والمعتقدات وان تتقبل الرأي والرأي المخالف».

إلا أن رئيس مجلس الوزراء، رأى انه «قبل التفكير فى حوار الحضارات، فإن الامر يتطلب فهما متبادلا في ما بين هذه الحضارات»، داعيا الى اهمية مشاركة كل مؤسسات المجتمع المدني وما يرتبط بها من مختلف المنظمات فى هذا الحوار «بما يسهم في بلورة رؤية للحوار وتبادل الرأي وارساء القيم التي يمكن من خلالها وضع جدول اعمال عالمي للأولويات تذوب فيه الاولويات الخاصة بكل طرف مما يجعل غايات تحالف الحضارات ممكنة التحقيق».

ونبه الى ان «الظروف الراهنة تحتاج بالفعل الى الحوار المتعمق بين الشرق والغرب والشمال والجنوب لتوفير المزيد من الفهم المتبادل مع الاخذ في الاعتبار قيم وثقافة طل طرف»، لكنه شدد على الاتفاق «على خطوط حمر لا يجوز تجاوزها ايا كانت الظروف والمسميات»، معربا عن امله في ان يتمكن لقاء الدوحة من استشراف افاق كل القضايا التي يواجهها العالم الان «في اطار منهج يعتبر التطرف والارهاب نتيجة لقضايا كونية، لا ان يكون هو القضية ذاتها مع الاخذ في الحسبان ان التطرف والارهاب لا يرتبطان بدين معين او ثقافة او جنس».

من جهته، شدد الامين العام للامم المتحدة كوفي انان، على «ضرورة ايصال صوت العقل وتوسيع دائرة الحوار الى كل فئات المجتمعات خصوصا فئة الشباب لمواجهة خطاب الكراهية والتشدد»، داعيا «الى الخروج باقتراحات محددة للمضي قدما بهذا الحوار حتى يمكنه ان يصل الى الوجدان الشعبي»، ومطالبا بـ «فتح الابواب ايضا امام الفنانين والعاملين في حقل الترفيه والابطال الرياضيين، اي اولئك الذين يتمتعون بالاحترام ويحظون بالاهتمام بين كل فئات المجتمع بخاصة بين الشباب».

ورأى «ان الافكار النبيلة وحدها لا تكفي»، لافتا الى اهمية الا يقتصر الحوار في لقاء الدوحة مجموعة لطيفة من الناس الذين يتفقون مع بعضهم, وقال «ان انشاء هذا التحالف جاء استجابة لاحتياجات العالم والمجتمع الدولي على الصعيد المؤسسي وعلى صعيد المجتمع الدولي والمجتمع المدني لسد الفجوة بين الشعوب والتقليل من الافكار المسبقة والاستقطاب ومكافحة التهديدات والعنف».

وتطرق انان الى المشاعر القوية وردود الافعال التي اعقبت نشر الرسوم الكاريكاتورية للنبي محمد (صلى الله عليه وسلم) التي بينت وجود مخزون كبير بعدم الثقة للاخر، «لذا كان من اهداف التحالف المساعدة في الحد من هذه الظواهر قدر الامكان»، مشيرا الى ان «معظم غير المسلمين في الغرب لا يرغبون في اهانة العالم الاسلامي، كما ان الشعوب الاسلامية التي شعرت باهانة لا تعتقد ان العنف هو السبيل لمواجهة هذه المشكلات»، داعيا الى «تبديد اي شعور بسوء التفاهم»، معربا عن اعتقاده في الوقت نفسه بان «اي افكار خاطئة ستؤدي بالعالم الى حلقة مفرغة علينا كسرها».

وبين الامين العام «ان المشكلة لا تكمن في العقيدة والدين وبالتالي لا ينبغي ترك المجال امام الافكار المتطرفة لتلقي بظلالها على الغالبية التي عليها نبذ العنف واحترام كل الاديان».

وفي وقت دعا الى الحوار والتفاهم، اكد على «حرية المعتقد والتعبير والاعتراف بما جاء في الاعلان العالمي لحقوق الانسان واحترام مختلف الثقافات والشعوب ومقدساتها وبضرورة اسماع صوت الاعتدال والمصالحة ووضع حد لكل ما يدعو الى الكراهية وعدم الثقة بالاخر»، مضيفا «اننا بحاجة الى خطاب يجسد الافكار على ارض الواقع وبرنامج وحوار على صعيد رجال السياسة والدين والاعلام والمجتمع المدني والشباب يبلور حوار الدوحة حتى لا يختصر على رجال مرموقين يجتمعون وحدهم بل يتعدى ذلك ويكون له صدى على مستوى العالم».

ودعا انان «الى حماية الاجيال المقبلة من النمو في عالم مليء بالكراهية بل يجب تنشئتهم في عالم ملؤه التنوع ولا يشكل تهديدا للرسالة الالهية التي نشترك فيها».

وطالب فريديريكو مايور، المدير السابق لمنظمة «يونيسكو»، عضو المجموعة رفيعة المستوى لتحالف الحضارات، بوضع برنامج عملي تشارك فيه الدول ومنظمات المجتمع المدني «للنهوض بالسلم والتفاهم بين الشعوب ووضع اطار دولي يستند من بين امور اخرى على وسائل الاعلام والانترنت وتنمية التعاون بين تيارات الاكثرية الصامتة التي تتسم بالاعتدال وترفض التطرف بجانب تعزيز التعاون والثقافات والافكار من خلال منهج تربوي والتواصل مع شباب العالم ونقل رسالة التفاهم والمصالحة»، مشيرا الى الاحداث التي اعقبت الصور الكاريكاتورية وادت الى التصادم وتوسيع الهوة، مشددا على «تفادي اي خسائر اخرى في الارواح واي انتهاك لكرامة الانسان وان تتمسك كل الاطراف بالهدوء»، كما طالب بتنظيم لقاءات ترعاها الامم المتحدة «لايجاد الآليات السلمية لحوار يمكن من حل هذه المشاكل وتفادي الصدام بين الثقافات والاديان».

وناشد مايور القادة السياسيين والعلمانيين والدينيين، التحلي بروح المسؤولية واتخاذ التدابير اللازمة لمعالجة المخاطر والتهديدات الحالية والنظر الى العناصر التي تقرب بين الشعوب وتستند الى الهوية والثقافة لبناء عالم افضل للاجيال المقبلة.

من جانبه، دعا محمد ايدين، وزير الدولة التركي، الرئيس المشارك في المجموعة، الاجتماع الى التركيز على خمس قضايا اساسية، تشمل السياق السياسي والتربية والاعلام والشباب والهجرة، وقال «اننا بحاجة ماسة لمشاريع من هذه القبيل على غرار مبادرة تحالف الحضارات تجسد على ارض الواقع العمل من اجل تخفيض حدة المشكلات الحساسة على الساحة العالمية»، لافتا الى ان قضية الرسوم المسيئة «اثبتت هشاشة الوضع الدولي والعلاقات الدولية والسياسية في شكل خاص ومدى تعقيد الوضع»، موضحا ان ما اثارته تلك الرسومات من ردود افعال غاضبة «كشفت مشاعر سلبية تعود لقديم الزمان وعقلية ثقافية متكبرة يتم استغلالها لكره الاسلام».

وقال: «علينا عمل كل ما شأنه ان يجمع بين الحضارات والثقافات والبعد عن الهيمنة الثقافية والعسكرية وانعدام اوجه العدالة والممارسات التي تؤدي الى التهميش والاحباط والغضب»، مشيرا الى ان «من خطط المجموعة خلال الاشهر المقبلة وضع خطة عمل تستند على التفاهم المشترك».

ويشارك في الاجتماع عدد من الشخصيات الدولية، بينهم الرئيس الايراني السابق محمد خاتمي، واكمل الدين احسان اوغلو، الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي، والامين العام للجامعة العربية عمرو موسى.

كما يحضره الاسقف الجنوب الافريقي ديزموند توتو وعلي العطاس وزير الخارجية الاندونيسي السابق واندريه ازولاي مستشار ملك المغرب و انريكي ايغلاسياس الامين العام للقمة الايبيرية ـ الاميركية وهوبير فيدرين وزير الخارجية الفرنسي السابق.

وكان الاجتماع الاول للمجموعة عقد في جزيرة مايوركا الاسبانية في نوفمبر الماضي وتم فيه اختيار قطر لاستضافة الجولة الثانية من الاجتماعات, وسيتم اختيار الدولة المضيفة للاجتماع الثالث في الدوحة، على ان تعقد الجولة الاخيرة في ديسمبر 2006 في تركيا.

ويعرف تحالف الحضارات نفسه كـ «بديل سياسي وليس ثقافيا فحسب» لاعادة اطلاق «العلاقات الدولية التي اضعفها منطق الاسوأ بفعل دعاة التصادم والاصولية».

ودعا رئيس الوزراء الاسباني خوسيه لويس ثاباتيرو ونظيره التركي رجب طيب اردوغان في الاجتماع التأسيسي اعضاء المجموعة المفوضة من انان الى اقتراح «حلول ملموسة» تجمع بين المجتمع المدني وصانعي القرار.

وقال ثاباتيرو ان «الخصومة الماضية» بين الامبراطوريتين العثمانية والمسيحية «تحولت الى شراكة ايجابية».