لن تتوانى الجماعات الإرهابية عن استهداف الابرياء والممتلكات والمكتسبات بدوافع النقمة على البشرية. هذه الخلايا هي نتاج معسكرات «القاعدة» من افغانستان إلى الشيشان والسودان، التي شيدت في ظل مباركة دولية لكسر المد السوفياتي الشيوعي آنذاك. إنها الأفكار الظلامية والأدمغة القذرة التي لا تقبل سوى الأفكار المنحرفة، ولا تصاحب إلا العقول المتهالكة المتوقفة عن التفكير الإنساني العقلاني. بدأت بسفك دماء الابرياء وستكون نهايتها القتل بالرصاص. فهذه الجماعات ستستمر في العطاءات الظلامية، طالما أن هناك من يروج لها، ويبرر أعمالها بلا خجل، ويصف هؤلاء بعد العمليات الانتحارية بأنهم «مغرر بهم»، في محاولة لإقناع الناس بصغر سنهم وقلة معرفتهم، فكيف نقتنع بمثل تلك المبررات، طالما ان دعوات الحكومات لهم بالعودة إلى جادة الحق والصواب ما زالت «قائمة»، ومناشدات الأهالي تكتب وترسم على صفحات الصحف بصورة شبه يومية، ولكن «لا حياة لمن تنادي»؟!

هؤلاء «خوارج» لا يمكن الثقة بهم أو معاملتهم إنسانياً، لكونهم يبحثون عن قتل الاطفال والعجزة، ويتلذذون بـ «ترميل النساء»، لن يقتنعوا ولن يعودوا إلى رشدهم ولو جعلت لهم البلاد «السراب» حقيقة.

بعد المحاولة الانتحارية الأخيرة لتفجير «مصفاة بقيق» شرق السعودية، يتضح اتجاه «القاعدة» إلى طريقة تكتيكية جديدة، تعمل بها خلاياها لتفجير المنشآت النفطية خلال أيام العطل الأسبوعية، أو الساعات الميتة التي تعتبر عادة لـ «الهجوع والراحة»، وهو ما يجعل مهمة رجال الأمن شائكة وحساسة وخطيرة، بل يتطلب اليقظة والوعي الدائمين، والعمل بقاعدة «العين الساهرة»، حتى تنجلي هذه الغمة والكربة عن الأمة. وما زاد الأمر سوءاً هروب 23 عنصراً من تنظيم «القاعدة» من سجن للاستخبارات في اليمن، ما يعني إمكان تشكيل خلايا إرهابية جديدة، والبدء بعمليات تفجيرية منظمة، بالتعاون مع الـ36 المطلوبين أمنياً للسلطات الأمنية السعودية.

لا أعرف هل يقدّر اليمن حجم الجناية التي ارتكبها بحق جارته وشقيقته (السعودية)، بعدم قدرته على إحكام القبضة على زنزانة الفارين الـ23، وهو يعلم جيداً ان هؤلاء من الرؤوس المدبرة والمخططة في تنظيم «القاعدة»، ولديهم خبرة في التدريبات العسكرية وبناء المعسكرات الحربية، ولم يغيروا فكرهم أو نياتهم، ولن يستطيعوا البقاء من دون القيام بنوع ما من النشاطات الإرهابية، خصوصاً أنهم سبق ان شاركوا في تفجير الناقلة «ليمبورغ» والمدمرة «كول» وغيرهما. كتبت قبل أسبوعين، بعد هروب ؤلاء ان وراءه «تواطؤاً». ولا يمكن لعاقل أن يلوم القبائل والعشائر اليمنية التي ما زالت تلتزم بأعرافها وعاداتها في حمل السلاح الشخصي، لحماية أنفسها ورجالاتها، طالما ان حراس السجون بمن فيهم رجال الأمن والاستخبارات، «غير قادرين» على ضبط ورقابة المجرمين الذين يقبعون خلف قضبان السجون.

لم يختلف المحللون السياسيون والأمنيون منذ اليوم الأول في أن فرار عناصر «القاعدة» يحمل بصمات «التواطؤ». والرئيس علي عبدالله صالح لم يخفِ، في حواره مع الزميل غسان شربل في «الحياة» أمس، وجود إهمل سهّل الفرار. لذلك يجب العمل لجعل هذا «التواطؤ» الأول والأخير لمن سهلوه، ولاتخاذ اجراءات تجعل «المتواطئين» عبرة لغيرهم، فمن سهل مثل ذلك العمل ربما يسهل تنفيذ عملية إرهابية في البلاد. ونحيي الرئيس صالح على الجرأة في الاعتراف بذلك، راجين ان تنجح الاتصالات الجارية مع الفارين لتسليم أنفسهم كما يقول، لكنني على ثقة بأن من خرج عبر نفق لن يعود «طوعاً» إلى السجن الذي خرج منه، مهما كلفه الأمر...