المشكلات اللبنانية البحتة المطلوب ايجاد حلول لها بعد التطورات الكثيرة التي شهدتها البلاد منذ التمديد القسري لرئيس الجمهورية العماد اميل لحود واهمها على الاطلاق انسحاب سوريا عسكرياً منه في 26 نيسان الماضي كثيرة جداً. والمشكلات اللبنانية ذات الأبعاد والخلفيات الاقليمية المزمنة منها والحديثة كثيرة جداً بدورها. الا ان المشكلة اللبنانية الأبرز اليوم هي رئاسة الجمهورية وخصوصاً بعدما صار متعذراً استمرار لحود في ولايته الممددة وبعد ظهور عجز اللبنانيين على الأقل حتى الآن عن التفاهم عن حل لهذه المشكلة سواء بوضع آلية تؤمن رحيل الرئيس عن القصر الرئاسي في بعبدا أو ايجاد الشخصية السياسية او ربما غير السياسية التي ستحل مكانه في هذا الموقع الدستوري المهم. ان الامرين أي الآلية والشخصية مترابطان الى أبعد الحدود. بل يمكن القول ان الاتفاق على الشخصية من شأنه التعجيل في التفاهم على الآلية وفي ظل اتفاق او تفاهم من هذا النوع يستطيع اللبنانيون أن يحاولوا معالجة المشكلات الاخرى على صعوباتها وتعقيداتها في اجواء من الهدوء وبعون كبير من الدول الشقيقة والصديقة.

هذا الامر يعرفه كل الأفرقاء السياسيين في لبنان أو بالأحرى كل افرقاء الصراعات السياسية الدائرة فيه على تنوعها العلنية منها والمستترة. ويتصرفون انطلاقاً منه. ولذلك بدأ اللبنانيون يلاحظون تحرك الشخصيات الطامحة الى الرئاسة الاولى مؤهلة كانت لذلك أم غير مؤهلة بين اقطاب السياسة في البلاد وبين المراجع الدينية التي صارت كلها سياسية، ولا اعتراض هنا على ذلك بعدما اظهر معظمها حكمة وطنية افتقدها معظم ابناء الطبقة السياسية المتصارعين. لكنهم يلاحظون ايضاً عدم تجرؤ الطامحين على اعلان ترشحهم الرسمي للرئاسة الاولى حتى الآن الأمر الذي عزز اقتناعهم بأن اللعبة السياسية في وطنهم على تشعّبها لا تزال اسيرة "الكواليس" والمشاورات داخل الغرف الموصدة و"البازارات" اي المساومات سواء مع جهات في الداخل او جهات اخرى في الخارج، وبأن دورهم فيها غير كبير. طبعاً، يعرف هؤلاء ان الدستور اللبناني لا يفرض في موضوع رئاسة الدولة تقديم ترشيحات رسمية ضمن مهلة محددة ولا مؤهلات محددة ولا مواصفات. لكنهم يعرفون ايضاً ان وطنهم الآن يجتاز مرحلة صعبة جداً وربما مصيرية الأمر الذي يفرض على كل من يقودهم من السياسيين والاقطاب وخصوصاً اصحاب الطموحات الرئاسية ان يعلنوا افكارهم ومواقفهم بوضوح وصراحة، ولا نقول برامج لأن البرامج من صلاحيات السلطة التنفيذية المحصورة دستورياً في مجلس الوزراء ولا علاقة للرئاسة الاولى او لمن يشغلها بها خلافاً للممارسة غير الدستورية التي بدأت بعد انتهاء الحروب عام 1990 ولم تنته.

هل يشمل الكلام المفصل اعلاه كل الطامحين (أي المرشحين) للوصول الى قصر بعبدا؟

معظم هؤلاء يقول ان ترشيحه متداول بين الناس وفي الاوساط السياسية والمحلية والديبلوماسية الشقيقة والصديقة. لكن احداً "جدياً" لم يعلن ترشيحه رسمياً باستثناء مؤسس "التيار الوطني الحر" وزعيمه العماد ميشال عون الذي خرج عن دائرة الصمت أو بالأحرى كسرها في لقاء تلفزيوني له مع الزميل سعيد غريب (NBN) مساء الجمعة الماضي وذلك عندما قال وبالفم الملآن انه مرشح للرئاسة الاولى. طبعاً اعتبر محللون وسياسيون كثيرون اعلانه هذا محاولة لوضع المعنيين بالاستحقاق الرئاسي من ناخبين و"ناصحين" امام أمر واقع بعدما لمس استبعاداً له من جهات داخلية معروفة واخرى خارجية معروفة في الفترة الاخيرة رغم اعتبارهم اياه مرشحاً جدياً. وقد يكون هذا الاعتبار في محله. لكنه لا يقلل على الاطلاق من أهمية خطوة الاعلان نفسها التي يتمنى اللبنانيون أن يقدم عليها المرشحون الجديون الآخرون وهم كثر وخصوصاً بعدما اظهر الشعب اللبناني على انقساماته وخلافاته بنزوله الى الشارع سلماً أي بالتظاهر اكثر من مرة منذ اكثر من عام ان له رأياً وان هذا الرأي يجب ان يسمع.

انطلاقاً من ذلك فان السؤال: ما هو رأي الناس او بعضهم في اعلان العماد عون رسمياً ترشحه للرئاسة الاولى؟

طبعاً، لسنا الآن في صدد اجراء استطلاع شعبي، فذلك ليس عملنا. ولكن من خلال الاستماع الى رد فعل اولي للبعض من متعاطي الشأن العام المؤيدين للعماد عون او المعارضين له يمكن القول ان اعلانه الترشح رسمياً ترك صدى طيباً في النفوس. لكن عدداً من المعارضين له او من الخائفين من انعكاسات رئاسته على الوضع العام في لبنان وعدداً آخر من المحايدين في الصراع السياسي الذي يخوض داخل البلاد توقفوا عند نقاط عدة ابرزها قول الجنرال للزميل غريب انه مرشح "الشعب". والشعب في لبنان لا ينتخب رئيس الجمهورية مباشرة بل عبر ممثليه في مجلس النواب، فهل طرحه ترشيحه على هذا النحو يشير الى ان "الشعب" معه والى ان اي مرشح آخر للرئاسة سيكون ضد ارادة الشعب؟ وهل يعني ذلك انه سيلجأ الى الشعب اي الى الشارع لمنع تزوير ارادة "الشعب" الأمر الذي يعطل الانتخابات؟ وهل يعني ذلك استطراداً، في حال انتخابه رئيساً للجمهورية انه سيلجأ الى الشعب كلما دب خلاف بينه وبين الحكومة ومجلس الوزراء أو مع مجلس النواب؟ وهل يعني ذلك استطراداً انه باسم الشعب سيحاول ممارسة سلطات رئاسية تفوق تلك المنصوص عليها في الدستور الحالي وربما في الدستور السابق؟ وهل يتسبب ذلك بمشكلات وأزمات وربما بفتن او حروب؟ والدافع الى هذه الاسئلة هو ان العماد عون لجأ الى "الشعب" بين اواخر 1988 واواخر 1990 في مواجهة شعوب لبنانية اخرى وجهات اقليمية معروفة ومارس سلطات لم ترد في الدستور وامتنع عن ممارسة اخرى وردت فيه. وهو ايضاً ان استقراء مواقف "الشعب" لها آليات محددة في الانظمة الديموقراطية فهل سيحترمها العماد عون أم انه سيتصرف مثل التيارات الشمولية من سياسية وحزبية وعقائدية ودينية فيمارس ديموقراطية المرة الواحدة كي يصل الى السلطة ثم ينساها؟ وهل يعتقد العماد عون ان الشعب لا يغير مواقفه من الذين يحبهم ويدعمهم ويوصلهم الى السلطة وان ولاءه لهم سرمدي؟

الى ذلك سأل "الجنرال" اكثر من مرة وخصوصاً بعدما بدأ تحالف 14 آذار هجمته الرئاسية الاخيرة وحدد مهلة زمنية لها لم تقنع أحداً من اللبنانيين بأن احترامها ممكن في ظل الاصطفافات القائمة وعدم مبادرة الجميع الى التفاهم عن "السند" الذي يعتمد عليه الخلف لخوض معركته، علماً ان اللبنانيين تساءلوا عام 1989 ومعظمهم سياديون اي مؤمنون باستعادة لبنان سيادته واستقلاله من الشقيق والصديق والعدو على السواء عن "السند" الذي اعتمد عليه "الجنرال" لخوض معركة سيادية ولكن خاسرة لغياب التوافق الداخلي (الذي هو حريص عليه اليوم) ولغياب السند الخارجي الشقيق والصديق؟

في النهاية لا يرمي هذا الكلام الى النيل من العماد عون ولا الى اظهار عدم احترام له او محبة. فهو من دون منّة أحد مرشح جدي للرئاسة ومؤهل. وقد يكون الأكثر جدية بين كل الطامحين بسبب شعبيته الواسعة. لكن خوض المعركة الرئاسية لها اصول وقواعد لا بد من احترامها أهمها التزام الدستور والقوانين والمواقف بحيث لا يستهدف المرشح اي مرشح افرقاء محددين بتصرفاته بل ببرامجه ومواقفه ثم يفتح ابواب التفاهم أمامهم بـ"رسائل" تلفزيونية تفوح منها رائحة المصلحة. اما الشعب الذي هو المرجع في النظام الديموقراطي فانه يحاسب ولكن ايضاً ضمن الاصول أي من خلال الانتخابات النيابية وليس بخرقها.