رغم التحفظ على مصطلح "الشارع الإسلامي" فإن مؤتمر "تحالف الحضارات" في الدوحة يدفعنا نحو هذا المصطلح، لأن المؤتمر بفكرته وربما بآلياته يسعى إلى إصلاح خلل في طبيعة العلاقة بين الحضارات، في وقت يبدو ان التصالح داخل كل حضارة على حدا مسألة غائبة تماما.

وإذا كان التفوق في ثقافة ما يحجب موضوع التصالح مع الذات، فإن حضور هذا الأمر يبدو قويا داخل الثقافة التي تمثل الشارع الإسلامي، فهي تقف وسط اتهامات متبادلة، وتولد تحركا أدى في نهاية المطاف إلى العنف والتكفير و ... الهجرة إلى الجبال على نمط أيمن الظواهري.

والمشكلة كما تبدو في مؤتمر "تحالف الحضارات" أن البحث عن الآليات لا يتطرق إلى مسألة الخلل في طبيعة العلاقات الداخلية في المجتمعات الإسلامية عموما، وهو ما أنتج ما يعرف اليوم بالشارع الإسلامي الذي يميزه بأنه صاحب "حلم" بعد ان سقط عصر الأحلام مع مقولة "سقوط الإيديولوجيات". فالشارع الإسلامي يحمل حلمه، وبغض النظر عن طبيعة هذا الحلم، ويتوفر له كل أسباب التحدي للاحتفاظ بهذا الحلم مما يجعل الصوت الآخر حتى ولو صدر من الشارع نفسه غائبا أو هامشيا أمام "الاستغاثة" بكل الرموز الدينية.

والمشكلة ان الشارع الإسلامي وإن كان يطرح مشاكله على الشيخ القرضاوي، أو يستأنس بنجومية عمرو خالد، لكنه بالتأكيد لا يستمد دفعه المعنوي من هذه الأصوات التي تعلن اعتدالها وسط اجتياح التطرف لعالمنا. وهذا الشارع يحمل من الصراع الداخلي أكثر مما يستطيع أصحاب العمائم واللحى أن يستوعبوه أو حتى يلجموا الغضب المتولد في داخله، فالمشكلة أنه مُغيب داخل ثقافة غير قادرة على توليد ذاتها أو تحدي الآخرين بإبداع وخيال جديدين، لذلك فإن الحلم الذي تحمله هو أكبر من كل الوعظ او المؤتمرات، وهي مشكلة تتعلق بالعجز الداخلي أكثر منها بالحدث الذي ولد غضبها.

وإذا كان مؤتمر الدوحة يعمل على خلق مناخ للتقارب بين الحضارات، فإن المسألة الأساسية ستبقى معلقة في الحلم الذي يتكرر كل يوم وكل جمعة وكل موسم حج، دون التفكير بأن هذا الحلم يصطدم بواقع عاجز عن إنتاج أي شيء، وبأن الحلم يجب أن ينساق نحو القادم بدلا من أن يغرق في "خلافة" دفعت هارون الرشيد لمخاطبة غيمة في السماء "اذهبي وحيثما شئت امطري فإن خراجك سيعود لبيت مال المسلمين" ... فهذه المقولة بذاتها تحمل الصورة التي يشكلها الحلم.

"الشارع الإسلامي" كان غائبا في "تحالف الحضارات" لأن حلمه كان يسبح في آفاق غريبة، بينما ظهر الحضور الإعلامي لنجوم "الدعوة" ... وهو ما يبشر بان الأزمة ربما ستبقى مستمرة أو ... متقطعة.