بدا في الاسابيع الاخيرة رغم كل الكلام الايجابي الذي صدر عن "تحالف 14 آذار" حيال التحرك العربي وتحديدا السعودي والمصري لمساعدة اللبنانيين على تجاوز الازمة الكبيرة والمتشعبة الراهنة بل المأزق، والاستعداد لمساعدة لبنان والذي ابداه المسؤولون الكبار في كل من القاهرة والرياض - بدا ان هناك جمودا قد يكون موقتا على صعيد التحرك العربي لبنانياً ونشاطا واسعا في التحرك الدولي المساعد وخصوصا من الولايات المتحدة وفرنسا.

هل يعني ذلك ان "تحالف 14 آذار" بدأ يقصر طلبه مساعدته على استكمال استعادة لبنان سيادته واستقلاله وامنه وحريته على المجتمع الدولي ذي الزعامة الاميركية؟ واذا كان ذلك صحيحا فما هي موجبات هذا الامر بعدما كان هذا التحالف يعول على تناغم وتنسيق بين المجتمعين العربي والدولي يؤدي في النهاية الى ايجاد حلول لكل المشكلات اللبنانية الراهنة؟

وهل يعني ذلك ايضا ان المجتمع العربي بقيادة المملكة العربية السعودية ومصر لم يعد راضيا تماما عن تحركات "تحالف 14 آذار" الامر الذي جعله يجمّد تحركه المساعد مع التأكيد ان نيته في المساعدة لا تزال قائمة؟

وهل يعني ذلك اخيرا وجود نوع من التباين بين المجتمعين الدولي والعربي في النظرة الى الوضع اللبناني والوضع العربي والى حركة "الاستقلاليين" اللبنانيين اذا جاز التعبير؟

هذه الاسئلة والتساؤلات لا يتناولها الاعلام اللبناني بكثير من الدقة والتفصيل ولا يخوض فيها المسؤولون الكبار من اميركيين ومصريين وسعوديين ولا السياسيون اللبنانيون ولا سيما منهم "الاستقلاليون". وعلى العكس من ذلك فان تصريحات هؤلاء كلهم توحي ان التنسيق في ما بينهم قائم ومستمر وان نتائجه قد لا تكون بعيدة. لكن المداولات والمشاورات التي تجري بين المسؤولين المذكورين و"الاستقلاليين" اللبنانيين سواء مباشرة او عبر الممثلين الديبلوماسيين واحيانا الموفدين تخوض في كل الاسئلة المذكورة الامر الذي يوحي ان هناك خطبا ما وان مصلحة لبنان تقتضي معالجته لان حل مشكلاته لا يمكن التوصل اليه الا بتعاون كل الجهات الدولية والعربية المشار اليها ومعها بل ربما قبلها اللبنانيون كلهم وفي مقدمهم "الاستقلاليون".

هل من اجوبة عن الاسئلة او التساؤلات المطروحة اعلاه؟

هناك محاولات تقديم اجوبة من عدد من متابعي الاوضاع اللبنانية والتحركين العربي والدولي لجعلها اكثر هدوءا واستقرارا. وهذه المحاولات تستند الى معلومات من جهة والى تحليلات لها من جهة اخرى. في ما يتعلق بالمملكة العربية السعودية يقول هؤلاء المتابعون ان المسؤولين الكبار فيها انزعجوا كثيرا من رفض الحكومة اللبنانية المستندة الى "تحالف 14 آذار" الاقتراحات التي قدمتها سوريا للبدء بحل ازمة علاقتها مع لبنان. وانزعجوا ايضا من اعتبار هؤلاء اياها اقتراحات سعودية. ويقولون ايضا ان المملكة كانت ستحرق اصابعها في تحرك او في مبادرة اذا لم تكن ضامنة نجاحها الى حد كبير لانها حريصة على دورها وسمعتها ولانها ترفض الفشل ولا تنسى من يقودها اليه. ويقولون ثالثا ان الرغبة الصادقة للمملكة في مساعدة لبنان كله وفي مقدمه "تحالف 14 آذار" تقابلها رغبة اخرى عندها في عدم تحول سوريا عراقاً اخر وتفاقم مشكلتها مع لبنان واستعصاء هذه المشكلة على الحل قد يسهل هذا التحول. والرغبة الاخيرة هذه ليست نابعة فقط من حرصها على الوضع العربي بل من حرصها على مصالحها ايضا واوضاعها. ويقولون رابعا ان المملكة مضطرة بعد التطورات الاخيرة التي شهدتها المنطقة وابرزها توثق التحالف الايراني – السوري وتحوله محورا اقليميا قويا ومهما الى اخذ هذا الامر في الاعتبار نظرا الى آثاره السلبية عليها في حال اندفاعها لمساعدة لبنان على نحو يؤذي المحور المذكور ومؤيديه في لبنان مباشرين كانوا ام غير مباشرين.

وفي ما يتعلق بمصر يقول المتابعون انفسهم ان هناك انزعاجا مصريا من التحرك الاميركي في لبنان بل من سرعة اندفاعه. ليس لان المصريين ضد هذا الشقيق الصغير بل لانه لا يأخذ اوضاعهم ومصالحهم في الاعتبار. فمصر لا توافق على الاندفاع الاميركي في المنطقة كلها. ولا تنظر بارتياح الى "تدخلها" فيها (ايمن نور المجتمع المدني، والديموقراطية و"الاخوان المسلمون") والى انتقاداتها لها رغم اعترافها بانها صاحبة دور مهم على الصعيد الاقليمي وخصوصا في الموضوع الفلسطيني.

اما في ما يتعلق بلبنان فان الحكومة اللبنانية المنبثقة من تحالف "14 آذار"، كما اللبنانيين كلهم، يقول المتابعون اياهم لا يزالون يؤكدون حسنات التدخل العربي وخصوصا عندما كان مدعوما من المجتمع الدولي. لكنهم لا يزالون يذكرون ايضا وبمرارة التسويات او التفاهمات، ومعظمها من تحت الطاولة كما يقال، التي افرغت التدخل المذكور من حسناته الامر الذي اوصل لبنان الى السوء الراهن، وطبعا من دون اغفال مسؤولية اللبنانيين. لذلك فانهم حريصون على الدقة في كل امر خلافا لتكرار الاخطاء ومعها المشكلات. وحرصاء في الوقت نفسه على متابعة المجتمع العربي تحركه والمجتمع الدولي لانهم سئموا الحلول الموقتة وصاروا تواقين الى الحلول النهائية.

الى اين من هنا؟

يعتقد متابعو الاوضاع اللبنانية والتحركين العربي والدولي لجعلها اكثر هدوءا واستقرارا انفسهم، ان هناك ضرورة لاستئناف العرب اي السعودية ومصر تحركهم بمساعدة دولية مباشرة اي اميركية فرنسية. ويعتقدون ان نجاحهم قد يكون ممكنا وخصوصا بعدما بدأ "تحالف 14 آذار" ولبنانيون اخرون يشعرون ان الفصل بين اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري والعلاقة اللبنانية – السورية سيكون ممكنا قريبا عند اعلان المجتمع الدولي المحكمة ذات الطابع الدولي لمحاكمة المتهمين. وهو سيكون ممكنا اكثر اذا اعترفت سوريا نهائيا بالكيان اللبناني الشقيق المستقل والسيد المرتبط معها بعلاقات مميزة ومتكافئة . في اختصار لبنانيو 14 آذار يريدون الحل ويريدون اكل العنب لا قتل الناطور ويرفضون ان يبقى وطنهم اسير هواجس ومخاوف وطموحات ومصالح خارجية عربية كانت او اجنبية، وعلى العرب اولاً والمجتمع الدولي ثانيا ان يرعوا حوارا بين لبنان وسوريا وحوارا اخر بين اللبنانيين شبيها بالحوار الذي جرى في الطائف عام 1989 وأثمر دستورا جديدا لا يزال غير مطبق كما يجب ولا يزال البعض من اللبنانيين يعتقد بضرورة التخلي عنه والتوصل الى آخر بدلاً منه.