تساءل نواب قريبون من قصر بعبدا كيف ستتمكن قوى 14 آذار من حمل الرئيس لحود على التنحي عن منصبه وهو يستند الى بقائه فيه على قوى 8 آذار أي على حركة "أمل" و"حزب الله"، وعلى "التيار الوطني الحر" وعلى دعم سوريا له وعلى دعم نصف الشعب اللبناني ايضا؟ فاذا كان المطالبون باستقالته يحاولون تأمين ثلثي أصوات النواب توصلا الى اختصار ولاية الرئيس لحود، فقد يكون من الصعب تأمين ذلك لأن "حزب الله" يرفض ان يكون جزءا من ثلثي الاصوات لاختصار الولاية ما لم يعرف من هو الرئيس البديل من لحود كي يطمئن الى مصير سلاح المقاومة من خلال نهجه وسياسته. وحركة "أمل" ترفض ايضا ان تكون جزءا من ثلثي هذه الاصوات ما لم تشارك في اختيار الرئيس الخلف كي تكون مطمئنة الى سياسته حيالها. وسوريا لن تتخلى عن دعم بقاء الرئيس لحود ما لم يكن لها مساهمة في اختيار من سيخلفه وتتأكد من ان ماضيه السياسي ومواقفه ليست عدائية حيالها. ولن ينضم العماد ميشال عون الى المطالبين باستقالة لحود ما لم يضمن تأييد هؤلاء له في انتخابه رئيسا للجمهورية. واذا كان نصف الشعب اللبناني هو مع قوى 14 آذار بما تطالب به، فان النصف الآخر هو مع قوى 8 آذار وما تطالب به، وان تظاهرة المليون من هنا تقابلها تظاهرة مليون آخر من هناك، وتواقيع المليون من هنا يقابلها تواقيع مليون من هناك.

وهذا يدل على ان الشعب اللبناني منقسم مناصفة تقريبا بين من هم مع استقالة الرئيس لحود ومن هم ضد هذه الاستقالة فعلى ماذا تراهن قوى 14 آذار إذا للتخلص من الرئيس لحود وتحدد مواعيد لذلك؟

لقد أعلن ممثلو هذه القوى انهم سيجعلون مصير الرئيس لحود أول بند من بنود الحوار عندما يبدأ، فاذا سلم ممثلو قوى 8 آذار بذلك، فانها ستطلب البحث في البديل من الرئيس لحود لئلا تواجه البلاد فراغا يطول وقت البحث في سده، خصوصا ان معظم المطالبين باستقالة لحود يقولون بوجوب الاتفاق مسبقا على اختيار خلف له، وهو ما يشدد عليه البطريرك صفير مخافة ان يتم اختيار رئيس من دون المستوى المطلوب والأهلية لمواجهة دقة المرحلة وخطورتها. فهل من السهل التوصل الى اتفاق على اختيار مرشح يرضي كل الاطراف او غالبيتهم؟

الواقع، انه لم يسبق ان صار اتفاق على مرشح واحد للرئاسة الاولى قبل ان تخلو اما بانتهاء الولاية او بالاستقالة، وقد يكون اشتراط الاتفاق المسبق على اختيار خلف للرئيس لحود قبل ان يستقيل، من أسباب بث الفرقة بين المرشحين وبالتالي تشتيت قوى 14 آذار بحيث يكون لكل قوة او مجموعة قوى مرشح، الامر الذي يبرر بقاء الرئيس لحود في منصبه الى ان يصير اتفاق على من سيخلفه. وعندما يقول الرئيس لحود انه مستعد للاستقالة اذا صار اتفاق على اختيار العماد ميشال عون خلفا له، فلأنه يعلم ان مثل هذا الاتفاق لن يحصل، فيبقى عندئذ في سدة الرئاسة، وهو يشترط بالتالي ان يكون له رأي في من سيخلفه قبل ان يتنحى.

ويضيف النواب القريبون من قصر بعبدا ان قوى 14 آذار توصلت الى تأمين ثلثي عدد أصوات النواب الذين يتألف منهم مجلس النواب لاختصار ولاية الرئيس لحود قبل ان يتم التوصل الى اتفاق على اختيار خلف له، وكان لقوى 14 آذار مرشح لا توافق عليه قوى 8 آذار فما الذي يحصل؟

يقول هؤلاء النواب ان معركة الانتخابات الرئاسية تتحول عندئذ الى معركة نصاب لاجراء هذه الانتخابات اذا لم يكن لقوى 8 آذار مرشح قادر على منافسة مرشح 14 آذار، وهو ما هدد العماد عون باللجوء اليه أي مقاطعة جلسات انتخاب رئيس جديد للجمهورية للحؤول دون اكتمال النصاب في هذه الجلسات. وقد حصل ذلك سابقا في جلسة انتخاب الياس سركيس رئيسا للجمهورية عندما لم يكن لمعارضي انتخابه مرشح قادر على منافسته، فلجأوا الى سلاح مقاطعة الجلسة للحؤول دون اكتمال النصاب، وكان هؤلاء يعتمدون في عدم اكتماله ليس على تغيبهم عن الجلسة فقط، انما على صواريخ أبو عمار في قصف محيط فيلا منصور، المبنى الموقت لمجلس النواب آنذاك، فيما مؤيدو الياس سركيس كانوا يعتمدون على دعم الرئيس حافظ الاسد لتأمين النصاب واسكات القصف الصاروخي للزعيم الفلسطيني، وعندما اكتمل النصاب لانتخاب سركيس رئيسا للجمهورية، وكان العميد ريمون اده يتابع المعركة من منزله، قال حين بلغه ان النصاب قد اكتمل: "لقد انتصر حافظ الاسد".

والسؤال المطروح الآن هو: من سينتصر في معركة الرئاسة الاولى؟ قوى 8 آذار المدعومة من سوريا أم قوى 14 آذار المدعومة من المجتمع الدولي تنفيذا للبند الاول من قرار مجلس الامن الرقم 1559؟

يقول نواب في قوى 14 آذار ان المجتمع الدولي هو الذي سينتصر في معركة تنحية الرئيس اميل لحود عن منصبه، كما انتصر في معركة انسحاب القوات السورية من لبنان انسحابا كاملا حتى قبل الموعد المحدد لذلك، ولم تنفع تظاهرة المليون في ساحة رياض الصلح التي رفعت شعار الوفاء لسوريا والبقاء لقواتها في لبنان بعدما واجهتها تظاهرة المليون الآخر في ساحة الشهداء مطالبة بهذا الانسحاب، فاذا تكرر المشهد نفسه بين الساحتين، ساحة جماهير تطالب ببقاء لحود وساحة اخرى لجماهير تطالب برحيله فلا شك ان الغلبة ستكون للمطالبين برحيله، وبعدها تعطى "كلمة السر" للاسم الذي سيخلف لحود. لكن المعركة تدور الآن حول الاسم فمتى صار اتفاق عليه خرج لبنان من مأزق الازمة الرئاسية.