نجيب نصير

مهووسون نحن بفكرة الوحدة، ومع اننا لم ننجح في صنع أية وحدة على المستوى الايجابي ولكننا نحلم بتوحيد أي شيء حتى لو كان ضد مصلحتنا وضد الواقع وضد المنطق، ونطلق التنظيرات على هذا الشأن أو ذاك واحد، مخترعين الروابط والتقاطعات والانتماء إلى كتلة واحدة كبرى سوف نلمسها بعد النضال في سبيلها.

مناسبة هذا الحديث هو موضوع ربط المقاومة الفلسطينية وتوحيدها تارة مع إشكالات الحدث العراقي وتارة مع أشكال العنف المتمدد ليصبح عولميا ولكن من الباب الخلفي، لن نعود إلى تعريف المقاومة فهو موضوع نافل خصوصا ونحن نقتعد الوثير من المجالس، ولكن المقاومة في فلسطين المحتلة كلها تمثل خصوصية فريدة في تشكيلها، فهي تواجه ما لم يخفيه العدو من التطهير العرقي إلى احتمالات الترانسفير وما بينهما من إجراءات عملية تتناسب وهذا المنطق من قهر وتجويع وقطع أرزاق وإهانة وتسلط وظلم وتعدي، مبنيا على حلم ديني، لا يسمح لنا مستوانا الحضاري الإنساني ( وليس السياسي الحقوقي) بمجاراته، هذه الخصوصية نابعة من ارض الواقع من مواجهة العين للمخرز، من قضية ظلم حقيقية، ومن قضاء على الإنسان بما يمثله من مصالح، ففلسطين ليست ضحية سياسات تقاسمية أو استعمارية للهيمنة على موارد منطقة ما، وليست ضحية عبث حكام عالم ثالثي بمقدرات شعوبهم، وليس الحلم بها أو بتحريرها هو تحسين من شروط العيش أو نضال في سبيل رفع مستوى العدالة الاجتماعية أو لتحقيق المصلحة الشرعية، انه وطن مرشح للإزالة بالوسائل الفيزيائية، وليس مجرد احتلال أو هيمنة، انه نضال في سبيل الوجود الفيزيائي نفسه، وبالتالي هناك مسألتان مختلفتان إذا لم نقل متعاكستان بين النضال السياسي الذي اتخذ أشكالا إرهابية مع العنف أو دونه، وبين محاولة استرجاع الوجود الفيزيائي ذاته، حيث الفارق بينهما هو التفكير الأخلاقي الحضاري وليس مجرد قعقعة سلاح في مواجهة قوى الهيمنة العالمية حسب اعتبار من هب ودب.

المقاومة في فلسطين ليست مسألة أفغانية ولا عراقية وليس كل من فجر نفسه مرضاة لله أو توقا إلى الجنة هو في خدمة فلسطين، ان الحصار الذي تواجهه هذه البقعة من الأرض بسبب سوء التدبير السياسي المزمن، لن تفيده الأشلاء الممزقة في ربى أفغانستان أو وهاد نيويورك أو مخافر الشرطة العراقية، بل ستقضي عليه وهكذا يتحول هوسنا بالوحدة إلى حقيقة ماثلة أمامنا … توحد الأعداء ضدنا.