يوسف كركوتي..... الخليج

نشرت صحيفة الثورة السورية الرسمية أمس تحقيقاً مطولاً عنوانه “رجال أعمال كبار في مستنقع الفساد”، كشف عن تورط رجال أعمال ومتنفذين في عمليات فساد كبرى ضيعت على خزينة الدولة مئات الملايين من الدولارات، نتيجة التهرب الضريبي والاختلاس من المال العام والتلاعب على الأنظمة والقوانين الناظمة للاستيراد والتصدير. ويعد نشر ذلك في “الثورة” خطوة غير مسبوقة من حيث صراحتها، لما تضمنه من تجاوز لخطوط حمر تلتزمها الصحافة السورية عملاً بتوجيهات أو طواعية. وكان لافتاً إشارة المحررين في نهاية التحقيق الى أن الخطوة المقبلة ستكون نشر الأسماء الصريحة للفاسدين مع الفعاليات التي يمارسونها، بالإضافة إلى إجراءات أخرى ستتخذها الجهات المعنية بحق هؤلاء الفاسدين.

الاستخلاص الأبرز للتحقيق ان عملية محاربة الفساد في سوريا لم تكن في أي يوم عملية سهلة، وان ثقافة الفساد أوصلت إلى حالة من الشعور أن هذه المكافحة لا تطال إلا صغار الفاسدين، ولا تضع اليد على الجرح، حيث ما يزال الشارع السوري يتحدث عن الجلسة الشهيرة لمجلس الشعب السوري التي ناقشت تصريحات النائب السابق المخضرم للرئيس السوري عبدالحليم خدام، حيث تبارى أعضاء المجلس في فضح فساده وفساد عائلته، وهو ما كان معلوماً للغالبية الساحقة من أبناء الشعب، ومعلوماً ان خدام جزء من ظاهرة باتت تنخر عصب الاقتصاد والمجتمع السوري بتجاوزاتها التي يعطل تنفيذ التشريعات والقوانين النافذة.

وفي الوقت الذي يئن فيه المجتمع السوري تحت وطأة ظروف اقتصادية صعبة، يتناقل أبناؤه أخبار المليارديرات الجدد الذين باتوا يتربعون على عرش جامعي الثروات بزمن سوبر قياسي، وهو ما كتب محررا التحقيق ايضاً.

ويورد التحقيق نمادجاً من ظاهرة الفساد تحمل طرائف كثيرة، من أبرزها أن أحد الفاسدين تلاعب وعلى مدار سنوات بالرقم الإجمالي للفاتورة، ونجح في ذلك، لأن موظفي الجمارك السورية جرت العادة لديهم باحتساب الرسوم بناء على الرقم الإجمالي من دون التدقيق في الأرقام التفصيلية للفاتورة، وأن فاسداً آخر استغل مستخدماً يعمل في شركته، وأخذ منه وكالة عامة، استورد بناء عليها سلعاً بمئات ملايين الليرات السورية.

ولا تقف ظاهرة الفساد عند حدود التهرب الضريبي، بل تصل إلى الاتجار بالمخدرات، حيث قام رجل أعمال فاسد بتهريب سيارات مزورة وتثبيت اللوحة السورية عليها لبيعها في الأسواق المحلية السورية، واستطاعت الجمارك مصادرة هذه السيارات، وتبين أن بعضها يحتوي على مخدرات.

ومما يعزز الاعتقاد بأن خطوات عملية ستتخذ على طريق محاربة الفساد ترافق الحملات الصحفية على رموزه، مع استمرار حزب البعث العربي الاشتراكي في تجديد قياداته الوسطية عبر انتخاب قيادات فروعه في المحافظات، وتأكيد عضو القيادة القطرية للحزب سعيد إيليا ضرورة اختيار القيادات الكفؤة القادرة على تحمل مسؤوليتها في قيادة العمل الحزبي الجماهيري، ودعوته أعضاء المؤتمرات إلى توخي الموضوعية والشفافية والمصداقية في هذه الممارسة الديمقراطية التي تمثل تطلعات الحزب والجماهير، وتثبت لكل مواطن أن حزب البعث قادر على التجديد والاستمرار، والعمل على دفع قيادات جديدة إلى المقدمة، لتحقيق المزيد من المهام والتطلعات التي تريدها الجماهير، ربطاً بحساسية المرحلة المقبلة، والضغوط والتهديدات التي تتعرض لها سوريا بسبب مواقفها الوطنية والقومية الثابتة.