د. يحيى العريضي

العولمة واقتصاد السوق والرؤية الأمريكية المتفردة للعالم وفق نظرية التفويض الإلهي هي أركان السياسة الأمريكية ومعالمها المعلنة التي تبنتها إدارة الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش وتسعى حثيثا لتصديرها، بل لفرضها على العالم تثبت اليوم فشلها وارتدادها بكل ما يعنيه الفشل وبكل ما تحمله خيبة الارتداد.

ينعكس هذا الفشل واضحا في التعقيدات التي أفرزتها هذه السياسة على مجرى الأحداث في بقاع مختلفة من العالم تمثلت بردود الفعل الدينية المتطرفة واليسارية المتحدية التي باتت تتوالد على اطراف حدودها الجغرافية وتعلن رفضها لها وتحديها لجبروتها وقوتها واستكبارها.

في العراق بدأت هذه السياسة غرقها في وحول العنف والتطرف والانقسام الذي جاء معها باسم دعوات الديمقراطية وحقوق الإنسان وما إلى ذلك من دعوات لا تحمل سوى ألفاظها وماسي اضدادها.

ولم تحقق القضية الفلسطينية من تبعات هذه السياسة سوى التراجعات التي حدت بالجماهير الفلسطينية بانتخاب منظمة "حماس" المتبنية للكفاح المسلح لقيادته في هذه المرحلة بعد أن كان يأمل في استرجاع حقوقه أو بعضها عن طريق المفاوضات و الاستحقاقات المشروعة.

وحماس بحد ذاتها تمثل رفضا ضمنيا لسياسة هذه الإدارة التي بدورها توصم حماس بالإرهاب رغم شعبيتها وشرعيتها الانتخابية.

وبسبب تخبط سياسة هذه الادارة وحملتها السافرة على سورية واتهاماتها الباطلة وتدخلاتها غير المشروعة في لبنان تسببت في خلق أجواء مضطربة ومناحات تحاول من خلالها عرقلة عجلة الاصلاح في سورية والعودة بلبنان إلى أجواء الاحتراب الديني والطائفي بعد عقود من الاستقرار المثمر والتقدم المزدهر.

هكذا هي تداعيات هذه السياسة في الشرق الأوسط الذي توالت عليه نعوتها "كبيرا" و"صغيرا" و "قديما" و"جديدا" دون اعتبار لقيم المنطقة الراسخة ومبادئ أهلها وحقهم بخيارات حريتهم واستقلالهم.

أما مردودات هذه السياسة على حدود الولايات المتحدة الجنوبية التي لم يكن لها قبل اتباع هذه السياسة من أعداء تاريخيين في هذه القارة سوى جزيرة "كوبا" الصغيرة التي تقع على بعد تسعين ميلا من سواحلها، فقد انضم إلى كوبا اليوم عدد من بلدان المنطقة التي أصبحت تشكل محورا رافضا ومتحديا لمفاهيم "العولمة" الأمريكية وما تحمله من أهداف اقتصادية وتجارية وسياسية.

فهذا هو الرئيس الفينزولي هيوغو شافيز يتصدى للإدارة الأمريكية بحركة شعبية عارمة في فيزولا فاز بمثلها ايفو موراليس في انتخابات الرئاسة في بوليفيا وكذلك حققت ما حققه الاثنان، اليسارية ميشيل باتشيلت في تشلي معززة هذا الاتجاه الشعبي الرافض لسياسة الإدارة الأمريكية التي تدين هذه الأطراف أهدافها وتعتبرها سياسة إمبريالية مقنعة لا تخدم إلا حفنة من الأثرياء ولا تزيد بقية شعوب المنطقة والعالم إلا فقرا وتبعية واستغلالا .

وجاء فوز اليساري لويس ايناسيو سلفيا في الانتخابات العامة في البرازيل، التي كانت تعتبرها الإدارة الأمريكية نموذجا لتطبيق مفاهيمها العولمية والاقتصادية، ضربة فاقت توقعات واستنتاجات هذه الإدارة التي وجدت نفسها أما قيادة برازيلية تقترب اكثر واكثر من القادة اليساريين الرافضين لعولمة الإدارة الأمريكية وأهدافها المعلنة وغير المعلنة في جوارها المباشر والمناطق الأخرى من العالم.

وهكذا اصبح إلى جانب كوبا التي كانت تحمل لوحدها شعار التصدي لسياسة الإدارة الأمريكية دول ذات وزن اقتصادي وبشري مثل فينزولا والبرازيل وأرغولي وبوليفيا وتشيلي بقيادة زعماء استمدوا شرعيتهم من مواقفهم المناهضة لسياسة الإدارة الأمريكية وتبشيراتها المختلفة.

استطاعت هذه الدول أن تمد يدها للأرجنتين الذي أعلن صندوق النقد الدولي قبل سنوات عن عجز هذا البلد عن تسديد ديونه فاستطاعت الأرجنتين أن تصفي علاقتها بهذا الصندوق بواسطة أقدام هذه الدول على شراء لسندات خزينتها التي تجاوزت مليارات الدولارات، وبهذا استطاعت أن تضم الرئيس الأرجنتيني نيستور كريشنر لمحورها المناهض لسياسة الإدارة الأمريكية.

وتنتظر سياسة الولايات المتحدة الأمريكية لطمة أخرى في أمريكا اللاتينية في انتخابات الرئاسة في بيرو في نيسان المقبل حيث تشير الاستطلاعات الرأي إلى تقدم اولانتا اومالا الذي يحمل شعارات مماثلة لشعارات قادة دول المحور الجنوبي المعادي لسياسة الإدارة الأمريكية.

وستصل سياسة الإدارة الأمريكية ذروة فشلها في انتخابات الرئاسة المقبلة في المكسيك حيث تؤشر استطلاعات الرأي هناك إلى فوز لوبيز اوبرادور، عمدة العاصمة مكسيكيو سيتي على خلفية معارضته اتفاقية التجارة الحرة مع الولايات المتحدة الأمريكية ومطالبته بسيطرة المكسيك على مقدراتها.

إن السياسة التي تتبعها هذه الدول والتي أثمرت عقد اجتماع لمنتدى الفقراء والمعارضين للعولمة الأمريكية في مدينة بورتو اليغري البرازيلية كرد على لقاء المنتدى الاقتصادي في دافوس السويسري في مطلع كل عام، أخذت تنبأ بتشكيل محور دولي يتجاوز حدود أميركا اللاتينية إلى بقية دول العالم.

هذا حال امريكا بوش مع امريكا الجنوبية والتي تعتبر الحديقة الخلفية للقوة العظمى الاوحد في عالم اليوم، فهل العلاقة مع اوربا باحسن حال؟ وهل لا يزال السيد رامس فيلد احد اهم اركان ادارة بوش على رايه بان اوربا هي تلك القارة العجوز؟ كثير من الامريكيين يريدون علاقات افضل مع اوربا امر الذي تعجز ادارة بوش عن توفيره. وهل يعتقد احد ان حال تلك السياسة مع افريقيا او اسيا باحسن حال؟ ولكن تجلي تدهور السياسة الامريكية يبقى على اشده في الشرق الاوسط. فاذا كان هاجسا تلك السياسة النفط واسرائيل فهناك الكثير من الدم يطوق عنق النفط

وكثير من النار والغضب يحيط باسرائيل وكل ذلك بفضل تلك السياسة.

فهل تقدم إدارة بوش، بعد كل هذه الوقائع على إعلان فشل سياستها "العولمية" والانزواء بشرف في أركان التاريخ الخاوية، أم أنها إدارة فاشلة حتى في تحقيق فضيلة شرف الاعتراف؟