كان العديد من العرب والمسلمين ينظرون إلى أميركا في ماض ليس ببعيد على أنها دولة كريمة طيبة. أما اليوم فهي تثير الخوف والكراهية أكثر من أي وقت مضى وينظر إليها كدولة معادية لمصالح العرب وكعدو للإسلام. ولا شك أن المسؤولية الكبرى عن هذا التدهور البالغ إنما تقع على إدارة بوش التي تواجه حالياً مجموعة نادرة المثال من الإخفاقات في طول الشرق الأوسط وعرضه.

أجل لم تكن الإدارات الأميركية السابقة تخلو من النقد واللوم، ولكن فكر الرئيس بوش ومعاونيه الرئيسيين، نائبه ديك تشيني ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد، إضافة إلى النفوذ الخبيث الذي يتمتع به المحافظون الجدد داخل الإدارة وخارجها، كل ذلك ضاعف من خطورة المشكلة.

لقد أثارت أميركا شعوراً عدائياً عنيفاً لدى الحركات الإسلامية المتطرفة – كابن لادن والقاعدة – ولكنها تمادت أيضاً إلى حد الإساءة للإسلام الرسمي المتمثل في دول يفترض أنها صديقة لأميركا كمصر والسعودية. لذلك رأينا الزعيم الديني الشيخ عبد العزيز آل الشيخ يختتم موسم الحج الأخير فيقول بحضور مليونين ونصف مسلم «إن الغرب قد أعلن الحرب على عقيدتنا».

والمفروض أن مثل هذا الكلام من شأنه أن يرسل إشارة الخطر إلى واشنطن، لكننا نشك بأن الإدارة الأميركية ترغب أو تستطيع أن تقوم بمراجعة أساسية تهدف إلى استعادة بعض صدقيتها.

إن الأمة الإسلامية تبلغ اليوم 1,3 بليون نسمة معظمهم من المواطنين المحبين للسلام في الدول التي يعيشون فيها. لكن الكثيرين منهم يشعرون فعلاً بأنهم ضحايا النزاعات سواء في فلسطين أو في العراق وأفغانستان وشيشينيا وكوسوفو وكشمير وغيرها، وبأن الوقت قد حان لكي يقاوم المسلمون الاحتلال والقمع، وهذا ما يسمى باللغة العربية «الجهاد».

ومن الواضح أن السبب الأساسي للمصاعب الأميركية هو الاعتقاد بأنه يمكن القضاء على الإرهاب بالوسائل الحربية، وأنه يمكن إعادة تشكيل الشرق الأوسط بالقوة كي يخدم مصالح أميركا وإسرائيل. هذا الاعتقاد الذي بشر به المحافظون الجدد هو الذي أدى إلى تحطيم العراق، وإلى العديد من المفاجآت السيئة خلال ما يسمى بالحرب الشاملة على الإرهاب، وإلى المواجهة الخطرة مع إيران حول برنامجها النووي، وإلى التسامح وأحياناً التشجيع الذي لاقاه رئيس حكومة إسرائيل أرييل شارون خلال الأربع سنوات الماضية – قبل أن ينتزعه المرض من الساحة – حين سعى أن يفرض بصورة أحادية الشروط القاسية على الفلسطينيين. وبدلاً من أن تدرك إدارة بوش أن حل النزاعات على أساس من العدل هو السبيل الوحيد لمعالجة المطالب المشروعة للعرب والمسلمين، عمدت إلى صب الزيت على النار بتدخلاتها العسكرية ودعمها اللامحدود لإسرائيل.

وبالإضافة إلى النزاعات الرئيسية المتعلقة بالعراق وفلسطين وإيران، هنالك جملة من ساحات محتملة للقتال – أفغانستان، باكستان، سورية – هذه الساحات الثلاث التي تتطلب سرعة التدخل لنزع تصاعد التوتر والتوصل إلى اتفاقات سلمية عبر المفاوضات. ولا يمكن حل أي هذه المشكلات بالعربدة والمضايقات والتهديد واستخدام القوة.

لقد شهدنا في الأسبوع المنصرم كيف قامت طائرتان من نوع «درون» – أي بلا طيار – تابعتان لوكالة المخابرات المركزية، بتوجيه عشرة صواريخ على قرية دامادولا في باكستان بالقرب من الحدود الأفغانية أدت إلى مقتل 18 مدنياً. وقد كان الأميركيون يأملون بقتل الدكتور أيمن الظواهري، نائب أسامة بن لادن، الذي اعتقدوا بأنه كان يتناول الطعام هناك. لكن تبين أن معلوماتهم الاستخباراتية كانت خاطئة وأن الظواهري لم يكن هناك. وتظاهر إثر ذلك عشرات الآلاف في شوارع المدن الرئيسية في باكستان احتجاجاً وهم يهتفون «الموت لأميركا». وخلال زيارة لواشنطن هذا الأسبوع قدم رئيس حكومة باكستان احتجاجاً شديد اللهجة، غير أن أميركا لم تعتذر ولم تعرض أي تعويض لعائلات الضحايا.

مثل هذه الضربات هي التي تغذي الكراهية لأميركا وتخرق السيادة الباكستانية وتسيء إلى التحالف الاستراتيجي بين أميركا وباكستان، وتضعف مركز الرئيس برويز مشرف وتقوي معارضيه من الإسلاميين المتطرفين، وتزيد من قوة «القاعدة» السحرية التي لا تقهر.

حتى لو افترضنا جدلاً بأن الظواهري قتل فإن ذلك لن يشل «القاعدة» بل على العكس سيؤدي على الأرجح إلى القيام بضربات انتقامية. ذلك أن معظم الخبراء في الإرهاب يعتقدون أن «القاعدة» قد أقامت شبكة عالمية من الخلايا المستقلة التي تعتقد جميعها بضرورة مقاومة أميركا وحلفائها.

والعنف في أفغانستان بلغ مستوى حدوده القصوى منذ عام 2001، وقد تجلى ذلك بالهجمات الانتحارية المتزايدة التي تنتج كما في العراق آثاراً مدمرة. ويبدو أن طالبان تستعيد قوتها بعد الهزيمة التي لحقت بها قبل خمس سنوات. فلم تعد كابول آمنة ولا يزال سادة الحرب يسيطرون على أجزاء واسعة من البلاد ويواصلون تحديهم للحكومة المركزية ويستفيدون من مكاسب الأفيون. ولعل الخطر المحدق حالياً هو صعوبة التمييز بين البعثة العسكرية الأميركية المؤلفة من عشرين ألف جندي والمعروفة بـ «عملية الحرية الدائمة» والتي تقوم بمطاردة مقاتلي «طالبان» في الجنوب والشرق، وبين «القوة الدولية للمساهمة على استتباب الأمن» المؤلفة من عشرين فريقاً من العاملين العسكريين والمدنيين الذين يحاولون بذل المساعدة على إعادة الإعمار. ومما يثير يأس هؤلاء العاملين أن أميركا تريد منهم أن ينشروا أفرقاءهم في مناطق القتال – وهو ما يعتبر وصفة واضحة لمزيد من فقدان الأمن وانهيار جهود المساعدة. إن المقاومة في العراق وتفاقم الأزمة بين الفلسطينيين وإسرائيل والمواجهة التي تلوح في الأفق مع إيران، كل ذلك يتطلب اهتماماً عاجلاً لدرء الكارثة. لكن يبدو أن أميركا تتخبط بشأن هذه الأمور الثلاث من دون أي اثر لاستراتيجية ما.

أما في العراق حيث دمرت أميركا الدولة الواحدة الموحدة وأثارت الخلافات المذهبية والأثنية العنيفة، فإنها لا تجد بديلاً عن وضع استراتيجية للخروج بأسرع وقت ممكن، تاركة للعراقيين أمر تسوية أمورهم بأنفسهم. أما البقاء هناك حتى «النصر»، كما يصر الرئيس بوش،/ فسوف يضيف ثمناً جديداً للثمن الباهظ الذي كلف أميركا حتى الآن بالرجال والمال ولا يعود عليها إلا بالمزيد من الإهانة والمزيد من الكراهية.

على أن الخطأ الأفدح الذي ارتكبه بوش خلال السنوات الأربعة الماضية، في ما خلا اجتياح العراق، هو تأييده لسياسات شارون بتوسيع المستوطنات وبناء الجدار العازل والقتل المتعمد للمناضلين الفلسطينيين. أما الآن وقد ذهب شارون فإن على أميركا أن تلملم حطام هذه السياسة الكارثية.

لعل السبيل الوحيد للتقدم في هذه الفترة الحرجة هو أن يحدد الرئيس بوش الأسس والثوابت لحل النزاع – كما فعل الرئيس كلينتون في الأسابيع الأخيرة من ولايته – ويستخدم العضلات الأميركية لفرضها وتطبيقها. ومعنى هذا أن يتحدى اللوبي الممثل بأصدقاء إسرائيل، الأمر الذي لا يبدو أن بوش يميل إليه.

وفي مؤتمر صحافي عقده هذا الأسبوع ايهود أولمرت رئيس الحكومة الإسرائيلية بالنيابة سئل عن رأيه في برنامج إيران النووي فأجاب «لا يمكن لإسرائيل تحت أي ظرف من الظروف وفي أي وقت كان أن تسمح لهؤلاء الذين يضمرون لنا النيات الخبيثة بالحصول على أسلحة دمار شامل تهدد وجودنا.»

فهل يعني ذلك بأن إسرائيل تنوي ضرب إيران؟ وهل توافق أميركا على سياسة من شأنها أن تخلف الموت والدمار في المنطقة بأسرها؟ إن مثل هذه المجابهة الخطيرة تتطلب تدخلاً أميركياً حازماً لنزع فتيلها بدلاً من تفاقمها.

على أميركا أن تضع حداً لضغوطها وأن تكبح جماح حليفتها إسرائيل على رغم تصريحات الرئيس احمدي نجاد اللاهبة، وأن تشرك إيران في مفاوضات حول الوضع الأمني في الخليج وفي آسيا الوسطى وفي الشرق الأوسط. ذلك أنه لا يمكن أن تتخلى إيران عن برنامجها لتخصيب اليورانيوم ما لم تطمئن إلى أنها لن تتعرض لأي هجوم وأنه سيتم الاعتراف بحقوقها وحمايتها.