يبدأ اليوم مؤتمر للحوار الوطني في مجلس النواب، او يفترض ان يبدأ اليوم باعتبار ان لبنان معتاد خلال تاريخه الطويل وخصوصا منذ بدء الحروب فيه وعليه عام 1975 المفاجآت. ومعظمها لم يكن سارا. وجدول اعماله حدده الداعي اليه اي رئيس مجلس النواب نبيه بري بثلاثة موضوعات هي جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وسلاح المقاومة والعلاقة اللبنانية – السورية.

اللبنانيون على تنوع انتماءاتهم السياسية والطائفية والمذهبية وتناقضها يتمنون نجاح هذا المؤتمر لانهم ملوا الوضع الشاذ القائم وشلل الدولة وتشريع ابواب البلاد على الفوضى والعنف المبصر منه والاعمى وربما امام الفتن وتفاقم الاوضاع المعيشية والاقتصادية. او هذا ما يقولونه على الاقل. علما ان اصطفافاتهم السياسية والطائفية والمذهبية توحي مراقبي اوضاع لبنان من داخل ومن خارج انهم لم يتعلموا شيئا من مرارة الحروب التي عاشوا على مدى 15 سنة ومرارة اللاسلم واللاحرب التي عانوا على مدى 15 سنة ايضا، الامر الذي لا يحصر مسؤولية التردي الحاصل الذي يسعى "حواريو" اليوم والايام العشرة المقبلة بالزعماء والقادة رغم ان مسؤوليتهم كبيرة اساسا.

لكن تمنيات اللبنانيين شيء وتحقيق "ممثليهم" اياها شيء آخر. وهذا التحقيق رهن بعوامل عدة بعضها داخلي والاخر خارجي، لا يدري احد حتى الآن على الاقل اذا كانت ستساعد الحوار الذي سيبدأ اليوم او الذي يفترض ان يبدأ اليوم. العامل الاول داخلي رغم خلفياته الدولية الواضحة وهو بت موضوع الرئاسة الاولى الذي ينادي به "تحالف 14 آذار" ويطلب ان يكون بندا أول على جدول اعمال الحوار والتفاهم على استقالة رئيس الجمهورية العماد اميل لحود قبل انتهاء ولايته الممددة لان تمديدها فرضته سوريا على النواب اللبنانيين قسرا ولان المجتمع الدولي لا يعتبره شرعيا وقبل ذلك لان غالبية الشعب اللبناني تعتبر ان اوان رحيله عن قصر بعبدا قد حان رغم الاختلاف في ما بينها على البديل منه. والعامل الثاني هو مدى قبول سوريا الحوار الصادق بين اللبنانيين ونتائجه في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخها وتاريخ المنطقة. وقبولها او عدم قبولها ضروري لانها لا تزال مؤثرة في لبنان عبر الجهات السياسية اللبنانية المتحالفة معها وعبر الجهات السياسية الاخرى المتلاقية معها، وان في طريقة غير مباشرة.

فالقبول يسهل الحوار المجدي رغم اقتناع كثيرين بان لدى حلفائها الاساسيين اي الذين تعتمد عليهم من الوطنية واللبنانية ومن حس المسؤولية ما يمكنهم من تسهيل الامور وان على نحو لا يتسبب بهلاكهم. اما الرفض فانه يعطل كل شيء. ووسائل التعطيل يملكها اصحابه كما ان اعداءهم يستطيعون توفيرها لهم وان على نحو غير متعمد طبعا. والعامل الثالث، هو الموقف الفعلي للجمهورية الاسلامية الايرانية، التي استحقت وجودا سياسيا بارزا لها في لبنان لاسباب كثيرة معروفة من الحوار والنتائج التي يمكن ان يسفر عنها. وقبولها او رفضها مهم بدوره وخصوصا انها تخوض في لبنان ومنه مواجهة صعبة مع المجتمع الدولي بزعامة اميركا لها هدفان مهمان. الاول، الضغط على هذا المجتمع كي يرفع ضغوطه عنها في اكثر من مجال. والآخر تعزيز وضع حلفائها اللبنانيين الاساسيين في البلاد او على الاقل المحافظة على وضعهم الحالي. وحلفاء ايران في هذه المواجهة سوريا من جهة والحلفاء المشتركون بينها وبين سوريا من جهة ثانية.

والعامل الرابع هو المجتمع العربي بزعامة مصر والمملكة العربية السعودية الذي يعمل لمساعدة اللبنانيين على حل مشكلاتهم واعادة الوضع في بلادهم الى طبيعته وتطبيع علاقة لبنان مع سوريا بحيث تصبح متكافئة وسليمة ومميزة. ويعرف الجميع ان دعوة الرئيس بري الى مؤتمر الحوار لم تكن لتطلق لولا "فشل" المبادرة او بالاحرى التحرك العربي الذي باشرته السعودية قبل اسابيع بدعم من مصر. ويعرفون ايضا ان هذا الفشل ارخى بظلاله على العلاقة بين هاتين الدولتين والمجموعة اللبنانية التي احبطت تحركهما رغم وثوق العلاقة معها. ويعرفون ثالثا ان ما يهم مصر والمملكة هو نجاح الحوار، اي حوار، اذ يجنبهما ذلك خضات ومشكلات لا بد ان تكون لها انعكاساتها السلبية عليهما وان كانت نتائجه في غير مصلحة لبنان جزئيا كدولة سيدة مستقلة حرة. اما العامل الرابع والاخير فهو المجتمع الدولي الذي يخوض مع جهات لبنانية مهمة معروفة ومع حليفيها السوري والايراني معركة شرسة ومكشوفة في لبنان وخارج لبنان والذي عاد الى الاهتمام بلبنان قبل نحو سنة ونصف سنة رغم اهماله اياه عقودا. واللبنانيون رحبوا بهذا الاهتمام ويصلّون كي يستمر. لكنهم يخشون ان يصبح وطنهم رهينة للصراع المذكور او ساحة الامر الذي يدخلهم متاهات مخيفة رغم معرفتهم بأنهم هم الذين يحددون وجهة سير هذا المجتمع في كل ما يتعلق ببلادهم وكذلك وجهة سير المجتمع العربي وسوريا وايران. فوحدتهم تجعل الاتجاه في مصلحة لبنان. واستمرار صراعاتهم الطائفية والمذهبية وان بشعارات وطنية واستمرار تناقض مصالح قادتهم والزعماء وقبولهم البقاء ادوات للخارج على تنوعه تجعل الاتجاه في غير مصلحته.

هل ستتصالح العوامل المذكورة داخل مؤتمر الحوار الذي يبدأ اليوم ام ستتعاون لانقاذ لبنان؟

الجواب عن ذلك سابق لاوانه. علما ان دور اللبنانيين المتحاورين هو الذي يفترض ان يقرر اذا كانت المصالح المذكورة ستتصارع او ستتعاون لمصلحة لبنان، لكن الامل في توقع نتائج ايجابية وربما نهائية قد لا يكون كبيرا جدا. اذ بدأ الاختلاف على التمثيل في المؤتمر من الناحيتين الطائفية والمذهبية. علما ان الحوار سياسي او هكذا يفترض ان يكون رغم كون البلاد طائفية ومذهبية. وكان ذلك ممكنا لو اكتفى الرئيس بري بدعوة "تحالف 14 آذار" الذي يمثل غالبية ساحقة عند السنّة والدروز وجوا مسيحيا لا يمكن انكاره و"تحالف 8 آذار" الذي يمثل غالبية ساحقة عند الشيعة وغالبية كبيرة عند المسيحيين وعدد من الجماعات السياسية التي حرمها الخروج السوري من لبنان اي تمثيل نيابي الى الحوار . ففي هذين التحالفين كل انواع "المجتمعات" اللبنانية. لكنه وسع "البيكار" وادخل عليه التمثيل السياسي والطائفي والمذهبي المباشر الامر الذي كاد ان يحول مؤتمر الحوار مؤتمراً للتصارع، أو لاكمال التصارع القائم في الشارع وعلى الساحة السياسية سواء بين اللبنانيين او بعض الجهات الاقليمية والدولية. طبعا لا يعني ذلك اعلان الفشل مقدما ولا التبشير باليأس، فاللبنانيون سئموا التشاؤم واختاروا الحياة كلهم وقد عبروا عن ذلك في 8 آذار و14 آذار 2005 وفي 14 شباط 2006. وعلى قادتهم احترام خيارهم هذا.