على إيقاع الحرب الطائفية ينسحب اسم "الزرقاوي" بعيدا لأنه لم يعد بطل الإعلام في عملية الذبح المستمرة، وإذا كان غياب الزرقاوي لا يلخص الحدث فإن الموت سيبقى سيد الموقف، ناشرا على مساحات من العراق وخارجه رؤية الخوف والتطرف وربما البحث عن لون يلف الصورة المظلمة.

ورغم شبح الحرب أمامنا اليوم واقع خصب!!! رغم كل القصف الإعلامي على سورية وغيرها من دول المنطقة ... ورغم الموت المجاني في العراق، والبازار السياسي في لبنان، والدهشة من صفاقة إسرائيل، فإن الواقع خصب؛ لأنه يوضح وللمرة الأولى منذ عقود بأننا قادرون على فقدان كل شيء، وأنه بالإمكان إعادة رسم المستقبل بنوع من التعقل ...

واقعنا خصب بالفعل لأننا أصبحنا مكشوفين، فلا التراث قادر على منع الموت الذي يهاجمنا فجأة، ولا الحداثة تستطيع تعليب الديمقراطية بنماذج "الفوضى البناءة".

واقعنا خصب لأن عمليات الإفلاس ربما تقود إلى الإبداع، وربما تتيح التخلص من كل قيود الماضي لابتكار ما نريده للغد. والواقع الخصب يخرج اليوم من التكرار المقيت للأفكار والغايات التي انهارت عن الجدارة ولم تستطيع أن تحدث القفزة الثقافية نحو العالم المعاصر.

واقعنا خصب لأن الأجيال الجديدة تبدي عدم اكتراث بما خلفناه خلال قرن كامل من افكار .. وهي قادرة على التعامل مع حاضرها بإسلوبها .. هذا إذا استطاعت الهروب من دوامة "الدعاء" و "التهليل" و "التكبير" و "اليافطات الحمراء" التي تغطي الحاضر.

واقعنا خصب !!! رهان ربما لا يجد من يؤمن به أو يتعلق بهواجسه. لكننا على الأقل قادرون على تسجيل تحفظاتنا على هذا الواقع. و تحفظاتنا لن نسجلها على "ديمقراطية" الغرب أو الشرق أو الشمال أو الجنوب ... بل نكتبها على قدرات البعض في استحضار أساطير الأولين عند أي موقف سياسي، أو اغتصاب لقب هارون الرشيد والمأمون والمعتصم والمستكفي ... وصولا إلى مذهب "الخليفة" على طراز بن لادن .. أو حتى الوصول إلى صورة "هولاكو" بلباس راعي البقر...

بلاد الرافدين كانت أرض الجميع ... وشرقي المتوسط لم يتذمر يوما من التمايز والتنوع، لكنه لن يكون قادرا على استيعاب التمييز والمحاصصة، أو استحضار الحجاج ليتكلم الإنكليزية.