التعتيم الاعلامي على تحركات رئيس لجنة التحقيق الدولية سيرج برامرتس، لم يبق مجال التكهنات والتسريبات مفتوحا خلافا لما كان يحصل مع سلفه القاضي ديتليف ميليس، وهذا ما مكنه من فصل سير التحقيقات في جريمة اغتيال الرئيس الحريري ورفاقه، عن التجاذبات السياسية والسجالات حول سيرها ومحاولة كل طرف حرفها في الاتجاه الذي يشبع غاياته ومراميه.

بعض المتابعين لسير التحقيقات اللبنانية والدولية يتوقعون ان يقدم رئيس اللجنة برامرتس تقريره الاولي قبل نهاية الشهر الحالي، ليعرض فيه ما تم التوصل اليه منذ تسلمه رئاسة اللجنة ومباشرته العمل حتى تاريخ وضع التقرير، وفيه ما يتعلق باتصالات ولقاءات مع مسؤولين لبنانيين وسوريين سواء تلك التي اعلن عنها وتلك التي لم يعلن عنها وما تم التوصل اليه في لقائه بوزير الخارجية السوري وليد المعلم تسهيلا لسير التحقيق وتأكيدا للتعاون المطلوب مع اللجنة بموجب ورقة تفاهم حول منهجية التحقيق مع مسؤولين سوريين مشتبه بهم في جريمة الاغتيال، بحيث ان نتائج هذه اللقاءات تجعله يصف في تقريره حدود تعاون سوريا مع اللجنة، واذا كان هذا التعاون كافيا ام لا كي يتخذ مجلس الامن الدولي في ضوء هذا التقرير القرار الذي يراه ملائما. ومن المتوقع ان يتطرق التقرير الى وضع الضباط اللبنانيين الاربعة الموقوفين واذا كانت نتائج التحقيق معهم تسمح باخلاء سبيلهم ام لا، وارتباط اتخاذ قرار في هذا الشأن بنتائج التحقيقات مع مسؤولين سوريين مشتبه بهم في ارتكاب الجريمة.

وفي معلومات بعض المصادر انه نظرا الى منهجية القاضي برامرتس التي تختلف عن منهجية سلفه ميليس، فانه قد يحتاج الى مزيد من الوقت لانهاء مهمته ربما ثلاثة او ستة اشهر اضافية تمهيدا لوضع القرار الظني واحالة ملف الجريمة بكامله على المحكمة الدولية التي هي في طور التأليف نتيجة المحادثات التي اجراها في نيويورك الوفد القضائي اللبناني مع نيكولا ميشال المساعد القانوني للامين العام للامم المتحدة كوفي انان.

وتتوقع المصادر اياها ظهور نتائج التحقيقات بعد الاستماع مجددا الى شهادات الشهود والى المتهمين انفسهم بما فيها شهادة السوري محمد زهير الصديق الذي اخلت المحكمة الفرنسية سبيله ولكنها وضعته تحت المراقبة وبحماية الاجهزة الامنية الفرنسية ريثما يتم التوصل الى معرفة ما اذا كانت شهادته كاذبة ام صحيحة وما كانت غايته من وراء تضليل التحقيق ومن هي الجهة او الجهات التي دفعته الى اعطاء معلومات مهمة حول ارتكاب جريمة الاغتيال ومن ثم التراجع عنها. وهذا ما سوف يكشفه تحقيق اللجنة الدولية بمشاركة قضاة لبنانيين يتوجهون الى فرنسا لهذه الغاية.

ويأمل المحامون اللبنانيون عن الضباط اللبنانيين الاربعة الموقوفين في التوصل الى اخلاء سبيلهم نتيجة التحقيق مع الشاهد السوري محمد زهير الصديق، او انتظار صدور تقرير لجنة التحقيق الدولية وتقديمه الى الامين العام للامم المتحدة كوفي انان وما سيتضمنه هذا التقرير من نتائج حول التحقيقات في جريمة اغتيال الرئيس الحريري ورفاقه، ومن هم المشتبه بهم ومن هم الذين يوصف جرمهم بالجنحة.

لكن بعض المتابعين لجريمة اغتيال الرئيس الحريري ورفاقه يعتبرون ان عدم موافقة السلطة الفرنسية على تسليم الشاهد السوري محمد زهير الصديق الى السلطة اللبنانية هو كون جرمه يخضع لعقوبة الاعدام بموجب القانون اللبناني. فلو ان جرمه كان مجرد جنحة لما كان ثمة ما يبرر عدم تسليمه او السماح له بمغادرة فرنسا الى حيث يشاء وان ادلاءه بشــــهـــــادة مهــــــمة عند التحقيق معه ثم الرجوع عنها ووصفها بالكاذبة يترك امر بت ذلك مع شهود آخرين للمحكمة الدولية.

ولم يعرف ما اذا كانت التحقيقات حتى الآن وضعت الرئيس لحود والرئيس الاسد في دائرة الشبهة ام لا، اذا ما اكدت هذه التحقيقات التهمة التي تقع على مسؤولين لبنانيين وسوريين، وان تكون الجريمة وقعت بدون علم مسبق من الرئيسين اللبناني والسوري، واعتبار شهادات بعض الشهود والتسجيلات الصوتية لمخابرات هاتفية غير كافية لتوجيه التهمة لاي منهما.

لذلك لا بد من مواصلة التحقيق مع الشهود الذين تراجعوا عن شهاداتهم واقوالهم الاتهامية لمعرفة الجهات التي دفعتهم الى ذلك لا سيما منهـــــم محمد زهير الصديق وهسام هسام ولؤي السقا الموقوف في تركيا الذي قيل انه رجل "القاعدة" وقد ادعى انه جرت محاولة رشوته لاعطاء افادة ضد اللواء آصف شوكت في جريمة اغتيال الرئيس الحريري.

ولم تمر حتى الآن محاولات بعض الشهود تضليلا للتحقيق اتهام تنظيم "القاعدة" بارتكاب جريمة اغتيال الحريري، وقال النائب سعد الحريري في حديث له "ان هذه كذبة كبيرة يسعى بعض بقايا النظام الامني اللبناني – السوري الى الترويج لها لإبعاد شبهة ارتكابها عن المتهمين والمشتبه بهم من كبار اركان هذا النظام الذي اصبح بعضهم في السجون. فقد حاولوا في السابق اختراع قصة احمد ابو عدس والآن يحاولون من جديد الصاق هذه الجريمة بتنظيم "القاعدة" لتوجيه التحقيق الدولي في اتجاه آخر، واضاف: "ان له ملء الثقة بما ستتوصل اليه لجنة التحقيق من نتائج ولا يعلم المدة التي تحتاجها لانهاء مهمتها، فيما العمل جار لتأليف محكمة دولية تنفيذا لما قرره الامين العام للامم المتحدة، وتحديد صلاحياتها ومكان التئامها وما الى هناك من امور تفصيلية.

والسؤال المهم الذي يبقى مطروحا خارج دائرة التحقيقات اللبنانية والدولية، اي في الاندية السياسية هو: هل تسلك التحقيقات طريقا آخر اذا ما توصل التحرك العربي والدولي الى جعل النظام السوري يغير سلوكه حيال لبنان وضمان استمراره.

وان يبدأ بترجمة هذا التغيير بوضع اخراج لخروج الرئيس لحود من قصر بعبدا والاتفاق على رئيس جديد خلفا له بحيث يبدأ معه البحث في تحسين العلاقات اللبنانية – السورية على اساس الاحترام المتبادل لسيادة كل من البلدين والدخول في حوار جدي حول موضوع سلاح "حزب الله" وســـــلاح الفلسطينيين في لبنان؟

ثمة من يؤكد ان سوريا هي التي تدعم بقاء الرئيس لحود في منصبه كي يكون ورقة تفاوض على امور تهمها في التوصل الى تسوية دولية – اقليمية تحافظ ليس على نظامها فحسب، بل على دورها في المنطقة وعلى اختيار خلف للحود مقبول منها، وان اسقاط لحود لا يمكن ادراجه في الاطار اللبناني الداخلي الصرف، بل في الاطار العربي والدولي توصلا الى تسوية قد تتم ولا احد يعرف حتى الآن مضمونها، وهذا ما جعل وزير الدفاع الياس المر يقول في مداخلته المهمة في جلسة مجلس الوزراء الاخيرة وهو يوجه كلامه الى الرئيس لحود: "اني اعرف انه لو كان الموضوع يعود اليك بدون الاخذ في الاعتبار حلفاءك لكنت مشيت امس قبل اليوم، اما من اجل حلفائك، فانك تتحمل البهدلة والضغط الاعلامي. وانك باق من اجلهم واتمنى ان يعاملوك كما تتحمل لاجلهم. فليس مسموحا ان يدافع عنك حلفاؤك بالرمادي وانت تدافع عنهم يا ابيض يا اسود".