محمـد العبـد اللـه*

الحراك الذي يشهده كيان العدو سياسياً، عبر حمى معركة الانتخابات "البرلمانية" في نهاية الشهر الحالي، وأمنياً / عسكرياً، من خلال استمرار عمليات الاغتيالات والقتل (أكثر من خمسة عشر شهيداً، وحوالي مائة جريح في الشهر المنصرم) وتصعيد حملة الاعتقالات والقصف و التدمير التي تستهدف شعبنا في الضفة الفلسطينية وقطاع غزة. في ظل هذه الأجواء تتوالى الاجراءات العنصرية ضد المواطنين العرب في مناطق "النقب، الجليل، المثلث" في فلسطين المحتلة منذ عام 1948. فالأنباء التي تناقلتها بعض وسائل الاعلام (على قلتها!) ركزت على المعاناة الكبيرة التي يعيشها أكثر من مائة وستون ألف مواطن عربي في "النقب"، يتوزعون على أكثر من خمسة وأربعين قرية، تَحْرِمُها حكومات العدو المتعاقبة من الماء والكهرباء والخدمات الطبية والمواصلات، بحجة "عدم الاعتراف الرسمي بها". أحد أبناء بلدة "الصواوين" موسى النباري يقول (نحن نجلب المياه بالصهاريج من مقبرة المستوطنة "نباطيم" التي تبعد عشرة كيلومترات) مضيفاً (تم ايصال خط مياه خاص لخدمة الأموات اليهود، فيما يحرم الأحياء العرب من ماء الشرب ، ليس لسبب سوى عروبتهم). أما مدير مركز مكافحة العنصرية "بكر افندي" فيشير إلى (الآلاف من أبناء شعبنا الذين يعيشون في صفائح الزنك، بالحر القائظ والبرد القارص، وربما لايجدون مايطعمون به أطفالهم الذين يسيرون حفاة، عراة، لكنهم مصممون على الحياة والبقاء).

حملت الأسابيع الأخيرة مؤشرات جديدة على تصعيد الاجراءات اللاإنسانية الفاشية، فقد جالت على مناطق "النقب " في الخامس من الشهر الفائت، عصابات منظمة في "حزب الاتحاد القومي"
لتمارس ارهابها واسفزازها لشعبنا بهدف الاسراع في طرده وتهجيره. وتنفيذاً لهذا المخطط الاجرامي، أقدمت بعد ثلاثة أيام، أربعة بلدوزرات محمية بالمئات من رجال القمع البوليسي الوحشي على تجريف و إتلاف أكثر من ألفي دونم من الأراضي العربية المزروعة بالقمح في منطقة "العراقيب" مما أدى لمواجهات عنيفة بين السكان وقوات القمع، أسفرت عن جرح العديدين، كان من بينهم النائب "طلب الصانع" الذي نقل إلى المستشفى. عملية التخريب تلك، أشرف على تنفيذها عدة مسؤولين مكلفين انجاز مخطط "تطوير النقب"! لكن الوقائع على الأرض، تعلن أن هذا المخطط الذي تشرف الحكومة على تنفيذه هو من أجل "تهويد النقب والجليل".

أمام هذا الوضع المتفجر، تداعت العديد من المنظمات واللجان العربية داخل كيان العدو (اتحاد جمعيات أهلية عربية "اتجاه" _ المجلس الاقليمي للقرى العربية غير المعترف بها في النقب _ لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية) للعمل المشترك من أجل دعم صمود عرب "النقب" في تصديهم للمخطط الهادف لتفريغ المناطق العربية من سكانها، وحددت يوم الخامس والعشرين من شباط المنصرم ليكون "يوم التواصل مع عرب النقب" وذلك من خلال حملة تعبئة وطنية شاملة

عبر عنها بيان الدعوة للتضامن، تحت عنوان (نحو يوم النقب ـ يوم الدفاع عن الوطن ـ بارادتنا وصمودنا سنحمي هذا الوجود) وقد جاء فيه _ أولوية حماية الوجود العربي في النقب والدفاع عنه في مواجهة حرب الاستنزاف الرسمية التي تتصاعد كل يوم، من خلال وجود مخططات جاهزة تنفذ على مراحل، خاصة وأن سياسة الترحيل والاقتلاع التي تتعامل بها المؤسسة الأمنية، ومكتب رئيس الحكومة، ووزارة "تطوير" النقب والجليل، ومؤتمر هرتسيليا ومجلس الأمن القومي، تجد ترجماتها العملية يومياً على أرض النقب _ . في يوم النقب ، تضامن أبناء الشعب الواحد الموحد، حول عروبة الأرض والانتماء، بموقف وطني جامع شارك فيه أكثر من ثلاثة آلاف مواطن، انتقلوا إلى النقب من المدن والبلدات والقرى في الجليل والمثلث والساحل. التقى القادمون بأبناء شعبهم من مواطني النقب في تجمع جماهيري / خطابي كبير، عكست الكلمات والهتافات التي انطلقت خلاله، عمق الارتباط بالأرض والتشبث بها، وأهمية وحدة الجماهير العربية في مواجهة مخطط التطهير العرقي. المتحدثون في المهرجان الذي أحاطه المئات من رجال القمع البوليسي العنصري، أكدوا "بشاعة الجريمة المستمرة ضد عرب النقب، و وحشية خطوات تدمير البنية الاجتماعية لهذا المجتمع، الذي يعاهدكم أبناءه على الصمود والبقاء على أراضيه، شوكة في حلوق كل من يسعى الى انتزاع حقنا في الوجود". الحافلات التي نقلت المشاركين للمهرجان، حملت معها آلاف أغراس " أشتال" الزيتون، الذي غرسته في منطقة "العراقيب" بمشاركة أهالي أبناء النقب. لقد أكد المجتمعون على أنهم أصحاب أرض، مواطنون وليسوا رعايا، وليسوا مهاجرين، في رد واضح على الأسلوب الاحتلالي / التضليلي الذي تحاول اللجوء إليه مايسمى "دائرة أراضي اسرائيل" من خلال العروض التي تقدمها (تأجير الأرض بمبلغ رمزي يسمح لهم بفلاحتها). وقد عبر النائب الدكتور "جمال زحالقة" القيادي في التجمع الوطني عن الموقف الرافض لهذا المخطط (من يملك الأرض لايستأجرها، وهذه محاولة خبيثة تمارسها دائرة الأراضي للسيطرة على أراضي أهلنا في النقب بطرق ملتوية). لقد توصل المجتمعون في النقب إلى ضرورة توفير مستلزمات الصمود المادي، فقرروا تأسيس "صندوق التنمية لدعم عرب النقب".

تحتل معركة الدفاع عن الوجود العربي في أراضينا المحتلة منذ عام 1948 أهمية استثنائية في برامج القوى السياسية العربية الناشطة بين أبناء وبنات شعبنا الخاضع للعنصرية الصهيونية. لكن تحويل هذه الأفكار إلى خطوات عملية على أرض الواقع، يتطلب وحدة هذه القوى في مواجهة خطة الاقتلاع والتهجير والتبديد. ويستلزم بالضرورة، توحيد رؤية الجماهير العربية تجاه قضاياها الوطنية / الاجتماعية وهي تجابه نشاط الأحزاب الصهيونية التي تسعى جاهدة للتغلغل في أوساطها.