النهار

الرياض تحض الفرنسيين على الاستثمار في المشاريع العملاقة

حظي الرئيس الفرنسي جاك شيراك أمس باستقبال حار في السعودية في مستهل زيارة دولة تستمر يومين يجري خلالها محادثات قمة مع الملك عبد الله بن عبد العزيز للمرة الاولى منذ اعتلائه العرش في آب الماضي، وتتناول الوضع في لبنان وضرورة تطبيق القرارات الدولية، الى قضايا العراق وفلسطين وايران، اضافة الى بعض مشاريع التعاون، خصوصا في مجال الدفاع، بما في ذلك تزويد السعودية نظام مراقبة الحدود الالكتروني "ميكسا"، وامكان بيع السعودية طائرات "رافال" التي تصنعها شركة "داسو".

ومن المتوقع أن تساهم العلاقات الوطيدة بين شيراك والعاهل السعودي في تمتين الحوار الاستراتيجي بين الجانبين وايجاد حلول لبعض مشاكل المنطقة، فضلاً عن تعزيز الروابط الاقتصادية بين فرنسا وبلد يعتبر النمو الاقتصادي فيه مهماً جداً، وخصوصاً أن ثروته النفطية تمثل 25 في المئة من الاحتياط العالمي. وتأتي هذه الزيارة في سياق اقتصادي مشجع بعدما ارتفعت أسعار النفط أكثر من 50 في المئة في السنوات الاخيرة.

ويأمل شيراك في الافادة من هذه الظروف الاقتصادية المشجعة للحصول على بعض العقود والاتفاقات التجارية للشركات الفرنسية. ويرافقه في زيارته زوجته برناديت ووزراء الخارجية والدفاع والاقتصاد والتجارة الخارجية ووفد كبير مؤلف من 15 رجل اعمال يمثل بعضهم كبرى الشركات الفرنسية.

وحطت الطائرة الرئاسية الفرنسية على مدرج مطار الرياض قرابة الساعة 17:00 (14:00 بتوقيت غرينيتش). وكان في استقباله العاهل السعودي الذي استعرض معه القوى العسكرية، قبل أن يتوجه الى قصر الضيافة حيث سيقيم خلال فترة زيارته.

ومساء، حضر شيراك عشاء رسمياً على شرفه. وأفادت وكالة الانباء السعودية "واس" أن شيراك والملك عبدالله عقدا مساء جولة محادثات أولى في حضور مسؤولين سعوديين وفرنسيين بحثا خلالها في الأحداث والمستجدات على الساحتين الإقليمية والدولية، وفي مقدمها تطورات القضية الفلسطينية والوضع في العراق، إلى آفاق التعاون بين البلدين وسبل دعمها وتعزيزها، بما يخدم مصالح البلدين والشعبين الصديقين في المجالات جميعها . كذلك، تناولت المحادثات المستجدات على الساحتين السورية واللبنانية، ونتائج التحقيق الدولي في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري.

وافادت مصادر ديبلوماسية فرنسية أن المحادثات سادها تطابق في وجهات النظر بين البلدين، وشدد الجانبان على ضرورة دفع جهود السلام فى المنطقة والاستقرار في العراق ودعم الشعب الفلسطيني واخلاء المنطقة من كل اشكال الدمار الشامل، اضافة الى تعزيز التعاون الدولي لمكافحة الارهاب.

وقال مسؤول سعودي إن الرئيس شيراك "خبير في أوضاع منطقة الشرق الاوسط، والسعودية تعلق أهمية كبرى على المشاورات التي سيجريها في الرياض". وبالنسبة الى لبنان، لفت الى أن "لا أحد يود تقويض الاستقرار في سوريا، في الوقت الذي نواجه مشاكل عدة مع ايران والعراق وفلسطين". وفي الملف الايراني، قال إن "ايران لا تحتاج الى سلاح نووي لتصير قوة في المنطقة "، وأكد أن السعودية لا توافق على تملك ايران هذا السلاح، لأنه سيشكل خطراً كبيراً على المنطقة"ونأمل من الاسرة الدولية العمل من أجل اقناع ايران بالعدول عن هذا المشروع. أما بالنسبة الى العراق، فتعتبر المملكة أن تأزم الوضع في هذا البلد يشكل خطراً متزايداً.

الاقتصاد

وعلى الصعيد الاقتصادي، يتوقع أن يبحث شيراك مع العاهل السعودي في مشروع شركة "تاليس" لمراقبة الحدود السعودية والذي تبلغ قيمته سبعة مليارات أورو. كذلك، تنتظر شركة "داسو" نتائج المحادثات السعودية - الفرنسية لمعرفة مصير العقد المتعلق ببيع الرياض 48 مقاتلة من طراز "رافال".

وقبل وصول شيراك، حضت السلطات السعودية ممثلي نحو 15 شركة فرنسية على الاستثمار في المشاريع العملاقة التي أطلقتها المملكة، وستنفذها مدى السنوات العشرين المقبلة والمقدرة قيمتها بألف مليار دولار.

وقال مدير الادارة السعودية العامة للاستثمارات المكلفة تشجيع الاستثمارات الاجنبية في المملكة عمر الدباغ عن مجموعة من رجال الاعمال الفرنسيين الذين أتوا الى الرياض في عداد الوفد المرافق لشيراك: "نصيحتي لكم هي أن تأخذوا السوق السعودية على محمل الجد... اذا فاتكم القطار في السبعينات، لا تدعوه يفوتكم الآن"، في إشارة الى الازدهار الذي شهدته السعودية قبل اكثر من ثلاثين سنة تزامناً ايضا مع موجة ارتفاع في اسعار النفط.

وكان بين الحضور عدد من رجال الاعمال الفرنسيين الكبار، بمن فيهم رئيس مجموعة "الستوم" الصناعية باتريك كرون ورئيس مجموعة "تاليس" للتجهيزات الدفاعية الالكترونية دوني رانك ورئيس مجموعة "فانسي" انطوان زاكارياس.

وسئل الدباغ عن سبب غياب الشركات الفرنسية عن المملكة، فأجاب: "ربما هي منشغلة في اسواق اخرى مثل الصين والهند... ربما تجهل الفورة الاقتصادية التي تشهدها البلاد".

ومن جهته، أقر زاكارياس بان السعودية تزخر بفرص كبيرة، الا انه شدد على ضرورة "مقاربة هذه الفرص بحذر... الآن الاقتصاد يشهد ازدهارا، بعد 15 سنة من الركود، وها قد اتينا. ان ذلك منطقي".

ونتيجة الازدهار الاقتصادي في السعودية، والفائض في الموازنة الذي بلغ 55 مليار دولار عام 2005، انطلقت السعودية في سلسلة من المشاريع العملاقة وأبرزها "مدينة الملك عبدالله الاقتصادية" في شمال مدينة جدة على البحر الاحمر التي تقدر كلفتها بـ26 مليار دولار.

واكد الدباغ أن اربع مدن اخرى من هذا النوع ستبنى في السنوات المقبلة. الا انه أوضح أن هذا المشروع (مدينة الملك عبدالله)، وعلى رغم ضخامته، ليس الا "نقطة في محيط" الامكانات الهائلة التي تتيحها المملكة امام المستثمرين الاجانب. وقدر "بالف مليار دولار" الاستثمارات الاجمالية المتوقعة مدى السنوات العشرين المقبلة وخصوصاً في مجال الطاقة "الذي لا يعرف حدودا".

وكان الناطق باسم الرئاسة الفرنسية جيروم بونافون صرح بـ"أننا لا ننتظر توقيع أي عقد خلال هذه الزيارة".

ويشار الى أن الملك عبدالله يوسع الشركة الاستراتيجية مع دول أخرى كالهند والصين، بعدما كانت الديبلوماسية السعودية مرتبطة الى حد ما بالسياسة الاميركية . وتندرج زيارة شيراك للسعودية ضمن هذا التنويع، وخصوصاً مع تحسن العلاقات بين باريس وواشنطن.

ومن المتوقع أن يحيي شيراك خلال خطابه في مجلس الشورى الاصلاحات السياسية التي يقوم بها الملك عبدالله. كذلك، يفتتح معرض الفنون الاسلامية في المتحف الوطني السعودي الذي يضم قطعاً من متحف اللوفر، على أن يعقد غداً الاثنين مؤتمراً صحافياً في مقر اقامته.