حسان سلوم

ينعقد ما سمي بمؤتمر الحوار الوطني اللبناني في ظل غياب كامل لا بل رفض لمشاركة قوى وأحزاب لا تمثل طوائف بعينها. ولعل الصورة التي ظهرت عليها طاولة الحوار المستديرة تعطينا فكرة واضحة لما يخطط او لما يراد ان يكون عليه مستقبل الحياة السياسية اللبنانية, وما ستكون عليه هذه الحياة في حال نجح المجتمعون في تجاوز نقاط الخلاف وفي التوصل الى اتفاق جديد حول النقاط الساخنة, وهي صورة تبشر بان ما سمح فيه سابقا وبنتيجة اتفاق الطائف من اعتراف بوجود قوى لا طائفية يمكن ان تكون موجودة في ما يسمى المعادلة اللبنانية, لن يكون ممكنا بعد الان.

وبغض النظر عن الظروف الدولية او الإقليمية التي سمحت ورعت مثل هذا التحول, الا ان السؤال الذي يطرح الان والذي كان قد طرح مرارا في السابق:هو ماذا فعلت هذه القوى خلال فترة مشاركتها؟ وهل استفادت خلال فترة مشاركتها من امكانية تطوير آلياتها الذاتية لدفع عملية التحول الاجتماعي والسياسي؟
فاذا كانت هذه القوى تعزو الكثير من عثراتها الى ما اعتبرته عوامل الضغط الخارجية التي استخدمت شتى وسائل التزوير والاعاقة لمنع مشاركتها الفعالة في الحياة السياسية, فان ما يجب طرحه الان هو دور العوامل والاليات الداخلية او الذاتية لهذا القوى, وهل كانت هذه العوامل تستهدف اصلا تطوير الممكنات العملية للمشاركة السياسية ام ان هذه القوى اكتفت بغنيمة المشاركة وعبر اشكال لا بل اشخاص محددين ووفق التزام صارم بما رسم لها من ادوار؟ وهل حاولت حتى توسيع هوامش ادوارها ؟
من السهل ان نجد تبريرا لكل المرحلة السابقة ومن السهل ايضا ان نجيب على الاسئلة السابقة بمنطق النتائج وبموجب المشهد السياسي الحالي ونشير الى الفشل الذريع للقوى والاحزاب اللاطائفية ولن نكون كمن يتجنى عليها في هذه الاجابة فلا شك بانها تحمل جزءا كبيرا من المسؤولية المباشرة او غير المباشرة عما جرى الا ان المطلوب هو اجابة من نوع اخر لسؤال او لاسئلة من نوع اخر علينا صياغتها بمنطق اخر اذا اردنا ان ندخل في المستقبل.

اسئلة تكسر جدار الممنوع وما يعتبر من مقدسات الماضي النضالي والتي كرست لاعادة انتاج الماضي نفسه بالياته ورموزه.
اسئلة تتجاوز منطق التخوين او توزيع الملامة والمسؤولية على الرغم من اهمية" تحديد المسؤوليات"
اسئلة لا تحمل في طياتها اقرار الحقائق بصورة مسبقة كما كان يحدث في ورشات العمل السابقة
اسئلة مفتوحة على امكانية ايجاد الجواب عبر تفاعل الجميع بمنطق العقل الذي يحدد المصالح
ولعل تعزيز ثقافة السؤال يمكننا من الدخول في المستقبل غير مثقلين بالاجوبة الجاهزة التي باتت تشكل حملا ثقيلا.

ثقافة السؤال هي ثقافة الحوار برأينا...

والاهم اننا نعتبر ان هدف الحوار هو فتح مزيد من الافاق للعقل وليس مجرد اقناع الاخر بمواجهة نظرنا او ما قد نعتبره حقيقة.
تعزيز ثقافة السؤال هو ما نراه من سمات المرحلة المقبلة وعلينا ان نصوغ اسئلة تضع الغد في بداية الطريق.