نجيب نصير

هل نحن بحاجة إلى ثقافة جديدة ؟ يبدو السؤال طوباويا إلى حد كبير، ليس بسبب المتغيرات بكافة مستوياتها وهي لم تتوقف عن التبدل منذ الاستقلال وحتى اليوم، وليس بسبب المستحقات بكافة اتجاهاتها وهي لما تزل تطرق أبوابنا عند كل مفترق ….

يبدو السؤال طوباويا بالعلاقة مع الثقافة ذاتها كبنية اجتماعية تنتج آليات تشبهها، وتشبه حالتها محاصرة كانت أم منفتحة، فما بين أيدينا من ثقافة مجتمعية لا يكفي لتسديد شأن شديد البساطة كالانتخابات مثلا حيث انقطعت التجربة الاجتماعية معها منذ عام 1958 وهي في عز طفولتها، حيث مورست تربية اجتماعية تنتج نوعا خاصا من الانتخابات والممارسات الانتخابية تفضي إلى عزلة حقيقية عن المتغيرات وعن الاستحقاقات (لما نزل في مثلا) لتصبح المسألة برمتها حراك إداري إعلاني يسدد حاجة دستورية عرضا، وتمت المعاشرة بين هذا النموذج وبين التربية الاجتماعية لإنتاج ثقافة اجتماعية مستريحة من الاستحقاقات وغير معنية بالمتغيرات ولكنها مفتوحة على كل ما لا يشكل خطورة على التربية الاجتماعية التي يتفرع منها التربية المدنية التي يتفرع منها التربية السياسية التي يشكل الأداء الانتخابي منها الجزء الصغير، لينتفي السؤال الأساسي: لماذا انتخب ؟ ومن انتخب؟ وما هي نتائج ممارستي للانتخاب ؟ . أو لماذا أترشح ؟ ولمن أترشح ؟ وما هي فوائد ترشحي؟

مع انتفاء هذه الأسئلة لم يظهر مرشح برلماني واحد ذو برنامج انتخابي، واقتصرت الدعاية الانتخابية على انتخبوا فلانا الذي هو أبو فلان (هذه الابو فلان هي البرنامج الانتخابي الوحيد) ليعود بمفهوم التمثيل إلى زمن العزوة والوجاهة بدلا عن مفهوم الخادم العام المناسب لموضوع الانتخابات المعاصرة، ولتصبح أعمال الخير والصدقات التي يوزعها المرشح شهادة خبرة في العمل البرلماني ليلخص ثقافتنا الانتخابية بإثبات وجاهته من جهة واثبات ان هناك ناخبين من جهة ثانية.

الثقافة الجديدة المبتغاة في هذا المثال هي العودة إلى الأسئلة السالفة، من يمثلني ولماذا ؟ انه البرنامج الانتخابي الذي يمثل المصالح وليس الوجيه الذي يحولني إلى قبيلة هو زعيمها ولا سبيل إلى محاسبته أو عدم إعادة انتخابه، انها آلية يجب أن تتضمنها ثقافتنا الاجتماعية القادمة. والا سوف ندخل في لعبة دق الماء ……على الأقل.

البرنامج الانتخابي هو جزء من هذه الفعالية المعاصرة والتي يجب ان تنتجها ثقافة الناس، والتي يجب ان تتضمنها، كي تستطيع تمثل ذاتها على ارض الواقع، والا سوف تبقى الانتخابات شأن إداري بحت يلبي حاجة دستورية عرضا.