عندما "ينزِّل" الرئيس بشار الاسد كلامه على مؤتمر الحوار اللبناني المنعقد للمرة الأولى في مجلس النواب في العاصمة بيروت (من دون وليّ أو وسيط بين ممثلين معظمهم يتكلمون معاً للمرة الأولى) معرباً عن "أمله في نجاح الحوار والخروج بقرارات واضحة في شأن المقاومة وسلاحها والقرار 1559، وكذلك العلاقة مع سوريا" (كذا، بالحرف الواحد!)... هل كان من الضروري ان يشفع تمنياته، التي لا نريد التشكيك في صدقيتها، بمثل الاتهام بأن "المؤامرة التي بدأت على لبنان وسوريا بدأت في لبنان"، آملاً في أن "يستعيد الشعب اللبناني وعيه الوطني والقومي"... الخ، الخ... وصولاً الى قول آخر (مأثور!) منسوب اليه ان "لبنان في منطقة رمادية بين الأبيض والاسود"...

هل كان كل هذا الابهام ضرورياً لكي يضطرنا سيادته الى اللجوء الى طلب "تفسير"... ولكن بأي قاموس؟

ربما بقاموس نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الدفاع الياس المر (الناجي باعجوبة من محاولة اغتيال بالتفجير البربري فصار، هو كذلك، "شهيداً حياً") الذي قال في مجلس الوزراء متوجهاً الى "عمّه" رئيس الجمهورية: "كان هناك مركز عنجر وقراره: يا عبد يا جثة"!

ترى، لماذا لا يوفّر الرئيس الأسد على المتحاورين في لقائهم، التاريخي حقاً، عناء البحث في علوم "التفسير" السورية ليعرفوا من هم المتآمرون وأية مؤامرة "على سوريا ولبنان معاً" بدأت في لبنان؟ وعلام وعلى مَن تآمرت وماذا حققت من أهدافها وأين هي الآن؟... وبالتالي ماذا يجب ان يكون تصرّف المتحاورين من أجل "استعادة الوعي الوطني والقومي"... وهل يقتضي ذلك، مثلاً، "استعادة" الجيش السوري لثلاثين سنة اخرى، مع اجهزة مخابراته وكل الذي صار معروفاً ومعلوماً و"موثّقاً" من جهوده كقوة "لحفظ السلام" (مهمتها الاصلية بتكليف من الجامعة العربية ما غيرها منذ عام 1976)... فضلاً عن "استعادة" رئيس الجمهورية "اللبنانية"(؟) اميل لحود من "متحف بعبدا" الى لا - دستورية الحكم المفقودة بالتمديد؟

الرئيس نبيه بري وضع في جدول اعمال الحوار عبارة جعلها شعاراً للبحث في مستقبل العلاقات السورية – اللبنانية التي "يتكركب" العالم العربي برمّته من أجل ترميمها.

"العبارة – الشعار" المنسوبة الى الرئيس الشهيد رفيق الحريري، هي الآتية:

"لا يُحكم لبنان ضد سوريا

ولكنه لا يُحكم منها..."

ترى، هل كانت هذه العبارة شعار المؤامرة على لبنان وسوريا، وهل كان الرئيس الشهيد صاحب الشعار هو المتآمر، فاستحق الاغتيال؟...

أوَيريدوننا ان نصدّق ان "أبا بهاء" تآمر على نفسه ولعله هكذا اغتال نفسه بأعجوبة لا نظير لها؟ وكذلك سائر الشهداء، ومنهم سمير قصير وجورج حاوي وجبران تويني، بمن فيهم "الشهيد الحي" الأول مروان حماده، طليعة ضحايا المؤامرة اياها؟

مطلوب قاموس سوري حتى نمضي في الحوار التاريخي على الصراط المستقيم ولا نقع كلنا في شراك المؤامرة على "الوعي الوطني والقومي"، بل نخرج من المنطقة الرمادية (؟؟؟) الى بياض الحكم السوري الناصع!!!

... مما يذكّرنا بمقال كتبناه، في هذا المقام بالذات، عشية الانتخابات الرئاسية عام 1976 وكان عنوانه:

"نعم لرئيس مع سوريا...

ولا لمرشح من عندها".

وقد شرحنا في المقال اسباب ذلك الموقف، وربما اضطرنا ذلك الى استعادة نشره لعله ينيرنا في اختيار الرئيس العتيد، فلا يكون "مرشحاً من عندها" لتكتمل المؤامرة، بل يكون "رئيساً معها"... داعين له بما لم ينله "الرئيس مع سوريا" الياس سركيس الذي انتخب عام 1976، وعاش طوال ولايته أسيراً، بل شهيداً حياً في قصر بعبدا، ما غيره، تحت قنابل "مجهولة" المصدر.

ولم نقل انها كانت تلك "مؤامرة على سوريا ولبنان"، "بدأت في لبنان"!

وربما أعدنا الكرّة وانتخبنا رئيساً مع سوريا، لا يحكم لبنان "ضدها"، على أمل الا يؤدي الى "حكمٍ مِن سوريا" لا يحمي لبنان ولا رئاسته من "القنابل المجهّلة" المصدر... ولا "الاغتيالات – الذاتية".

رحم الله الشهداء. وحفظ لنا بقية من الاحياء ليشهدوا بالحق.

... و"التواريخ شواهد".