اساءة مرفوضة تعرض لها الأردن والأردنيون في مؤتمر الأحزاب العربية في دمشق من قبل الرئيس السوري عندما جاءه سؤال مكتوب عمن يرفعون شعار "الاردن اولا". والرئيس لم يناقش الشعار قوميا وسياسيا، بل تحدث بسخرية عن ان حاملي هذا الشعار يؤمنون بأنّ اسرائيل او أميركا هي ثانيا. وهذا اتهام للأردنيين بأن ولاءهم اسرائيلي- اميركي. فهذا الشعار تعرض لجدل كبير هنا واستقر فهمنا جميعا على انه ليس نقيضا لهويتنا العربية الإسلامية، وهو تعبير عن سعي لإعطاء الهم الوطني مكانا يليق في فكرنا وبرامجنا وليس دعوة للتقوقع او استبدال هويتنا بانتماء لإسرائيل او اميركا.

والشعار لم يكن ملكا للدولة بل هو تصور تبنته قطاعات سياسية واجتماعية واسعة، لهذا فالسخرية السورية الرسمية ليست من النظام السياسي الأردني بل من الجميع، ما يمثل فوقية واستعلاء وصلاحية لا تُعطى له او لغيره. والأكثر سوءا هو صمت الأردنيين المتواجدين في قاعة المؤتمر، وقد سمعوا ضحكة الرئيس وتصفيق الحضور على الإساءة للأردن.

ان تتضامن الأحزاب العربية مع الشعب السوري في مواجهة الضغوط الدولية فهذا واجب لا خلاف عليه. لكن ان تتحول مثل هذه المؤتمرات الى منبر لأي نظام يستضيف الحزبيين ويؤمن لهم الإقامة والطعام والشراب، فهذا امر مختلف. وان يتحول الحضور الى "كومبارس" للموقف السوري ولاتهام هوية الأردنيين بالتبعية لإسرائيل وأميركا ويصف احزابا وفئات لبنانية بأنها تتآمر لمصلحة اسرائيل وأميركا فهذا لا علاقة له بالتضامن، بل بتحويل هذه الهيئات الى ادوات للأنظمة.

سمعنا نفاقا ومجاملة من بعض من تحدثوا وكتبوا الأسئلة وكأنهم في حضرة صلاح الدين الأيوبي وليس نظاما، مع فرق في القدرة على الإنشاء والتنظير، ارضه محتلة ولم يطلق بحقها رصاصة ولم تقم من خلاله حركة مقاومة فيها، ويؤمن بالسلام مع اسرائيل ويسعى له، لكن الظروف غير مواتية، وكما قال الأسد نفسه فإنه يسعى لعلاقات حسنة وتنسيق امني مع حكومة بغداد، لكن اميركا تغلق الأبواب في وجهه.

الكثير من الأردنيين يؤمنون بأن الأردن اولا، لكن اسرائيل او اميركا ليست ثانيا. فهم الذين يناصرون القضايا العربية وغارقون في الهم العربي والإسلامي، ولا يستحقون الإساءة, ولا يستحقون من الإردنيين، المتواجدين في المؤتمر، الصمت والتحول الى "كومبارس" في الهتاف لأي نظام مقابل الاستضافة والإقامة. فالصمت هنا خذلان للأردن وأهله، فما نختلف عليه في الأردن من سياسات وقرارات لا يحولنا الى ايدٍ للتصفيق لمن يشتم وطننا وشعبنا.

وربما كان على الأحزاب العربية ان يسألوا النظام السوري وهو يتحدث عن دور الجماهير والأحزاب لماذا لا يعطي لعشرات الآلاف من السوريين المشردين حق العودة الى وطنهم، ونسبة كبيرة منهم خرجوا منها اطفالا او ما قبل الولادة مع آباء لهم من الإسلاميين هناك، وهؤلاء في نظر النظام خونة وعملاء بينما الإسلاميون في فلسطين مقاومة من وجهة نظر النظام السوري!

مرة اخرى، من واجبنا جميعا التضامن مع سورية عندما تتعرض لضغوط. لكن بشرط ان لا تدفع الأحزاب ثمن اقامتها مواقف تبعية للنظام الذي يستضيفها. فالأحزاب العربية، التي اجتمعت في دمشق، تحولت الى اداة للهجوم على القوى اللبنانية المعارضة لسورية او للتصفيق للإساءة الى الأردن.