وجه الرئيس الفرنسي جاك شيراك قبل وصوله الى السعودية رسالة شديدة اللهجة الى سوريا اذ حذرها بالاسم من "ان كل عمل يطاول استقرار لبنان، ان كان بارسال اسلحة او باعمال اغتيال (وفي هذا ما فيه من اتهام ضمني لدمشق بالضلوع في محاولة زعزعة استقرار لبنان) سيثير ردود فعل من الاسرة الدولية". واذ كرر اصراره على الا تمر قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري من دون عقاب، قال موجها كلامه الى "من كانوا وراء عمليات الاغتيال ان يدركوا ان المدافعين عن استقلال لبنان ليسوا وحدهم، وأن الاسرة الدولية معهم ومصممة على النجاح". وبعد ساعات على نشر صحيفة "الحياة" حديث الرئيس الفرنسي الى الزميلة رندة تقي الدين رد الرئيس السوري بشار الاسد امام مؤتمر للاحزاب العربية فتحدث عن الحوار الجاري بين الاقطاب اللبنانيين راسما اطارا له، بمثابة رد مباشر على دعوة شيراك اياه للكف عن التدخل في شؤون لبنان، فهاجم الاكثرية النيابية واصفا اياها بـ"انها ادوات لم تكن فاعلة" وقوى 14 آذار بانها "هستيرية" وكرر دعمه للرئيس اميل لحود الذي رفض شيراك الرد على الاتهامات التي ساقها ضده. كما رد على مطالبة شيراك "حزب الله" بان يسمح للدولة بالاضطلاع بمسؤوليتها السيادية كاملة كما نص على ذلك القرار 1559 بان هذا القرار "يهدف الى ابتزاز سوريا من خلال اضعاف المقاومة والوضع الفلسطيني من خلال المخيمات".

وتدرج اوساط في 14 آذار وكذلك اوساط لا تنتمي الى هذه القوى موقف الرئيس السوري في خانة الاستفزاز لئلا يؤتي الحوار ثمارا حددها الاسد بتعبير عودة قوى 14 آذار الى "لغة العقل"، حتى اذا لم يتم التوصل الى النتائج المرجوة وفق ما حددها، يمكنه القول عندئذ ان اللبنانيين فاشلون في ادارة امورهم بانفسهم، في الوقت الذي وضع هو بنفسه العصي في دواليب الحوار الذي يتعين ان يقر اطر "تطبيع العلاقات اللبنانية السورية" وامعن في مهاجمة الاكثرية في الحكومة والمجلس النيابي. وهو موقف سابق لموقف شيراك اذ كان اكد لنجل الرئيس اللبناني الذي زاره قبل مدة موفدا من والده ان ليس في نية سوريا التخلي عن الرئيس لحود، علما ان ثمة ازدواجية يتحدث البعض عنها في الموقف السوري من الحوار، بين اتجاه تقبل احتمالات نجاحه من حيث شرعنته المحتملة لـ"حزب الله" في وجه القرار 1559 واقرار عودة العلاقات اللبنانية السورية الممتازة فضلا عن عدم القبول بسوى مرشح وحيد بدلا من لحود هو العماد ميشال عون، على ذمة ما يقول البعض وما ينادي به حلفاء دمشق في لبنان، وآخر يرغب في عدم نجاح الحوار نظرا الى ما يقدمه عدم الاستقرار في دولتين مجاورتين لسوريا هما العراق ولبنان من اسباب تدعيم النظام قبضته داخليا فيعطي السوريين خيارا من اثنين بين نموذجي العراق ولبنان ويساهم في تبرير استمرار دعمه عربيا للخوف من المزيد من الاضطراب الطائفي والمذهبي وتاليا الامني في المنطقة.

ويقول ديبلوماسيون اجانب التقوا اخيرا وزير الخارجية السوري وليد المعلم الذي تسلم مهماته حديثا، علما ان ليس لدى هؤلاء فكرة واضحة تماما عن المهمات التي يضطلع بها المعلم وتلك التي لا تزال في عهدة نائب الرئيس السوري فاروق الشرع، انهم سمعوا منه ارتياح بلاده الى تضاؤل الضغوط الاميركية عليها في شأن الحدود مع العراق واتهام الولايات المتحدة اياها بتسهيل تسلل متمردين عبر حدودها الى العراق، بغض النظر عما اذا كان هذا الارتياح واقعا او هو محاولة للايحاء بذلك لاشاعة انطباع عن وضع سوري قوي نسبيا في مواجهة العزلة الدولية التي تواجهها دمشق. لكن الواقع الذي تكشفه التطورات الاخيرة ان من خلال الزيارة التي قامت بها وزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس لبيروت قبل عشرة ايام او من خلال كلام الرئيس الفرنسي ان الضغوط الدولية لا تزال على حالها ازاء دمشق. فغياب الضغط من اجل تغيير النظام السوري مراعاة للتدخلات المصرية والسعودية خوفا على الاستقرار في المنطقة وعدم امكان تحمل المزيد من الاضطراب السياسي والامني، لم تخفف من الضغوط على دمشق بل على العكس في الوقت الذي تتحدث معلومات عن اختلاف في وجهات النظر بين اميركا واوروبا من جهة والدول العربية الصديقة لها حيال موضوعي لبنان وسوريا وكيفية مقاربة الوضع فيهما.

وهذا النموذج من التجاذب الكلامي كفيل وحده باعطاء صورة عن الاختلاف الكبير بين الاولويات الاقليمية والاولويات الدولية وانعكاساتها على لبنان بحيث يسير الحوار الداخلي بين النقاط بما يجعل صعبا الوصول فعلا الى ما يقدم الافضل للبنانيين. وهو على اي حال ما برز في المداخلات التي ادليت حول الطاولة المستديرة والتي لا توحي باطمئنان كبير الى انه سيؤدي الى النتائج المتوخاة خصوصا ان التصريحات المتفائلة للبعض لا تعبر على الارجح الا عن حنكة سياسية من اجل الاحتفاظ بالقدرة على رمي تعطيل الوصول الى اي نتائج ايجابية على عاتق الاطراف الآخرين.