منذ اشهر لم التق المرجع الديني الابرز في التيارات الاسلامية الاصولية الشيعية اللبنانية رغم ان سرعة التطورات السياسية في البلاد وحدتها فضلا عن التطورات في المنطقة كانت تقتضي لقاءه لمعرفة رأيه فيها ولاستشراف المستقبل نظرا الى ما يتمتع به من عقل راجح وفكر استراتيجي ونزوع الى الموضوعية، والى ما يملك من معطيات نتيجة متابعته الدقيقة يوميا لكل ما يجري في لبنان والعالم العربي والعالم الاسلامي والعالم الاوسع. لكن انعقاد مؤتمر الحوار الوطني منذ ايام بدعوة من رئيس مجلس النواب نبيه بري وانفتاح آفاق الصراع السياسي – الاقليمي – الدولي الحاد على احتمالات التسوية او الهدنة او الاحتدام دفعني الى الذهاب اليه سائلا ومتسائلا ومستفسرا ومستطلعا. فكان هذا الحوار.

مني معظم تجارب اللبنانيين الحوارية في الماضي سواء اثناء الحروب التي شهدتها البلاد او بعدها بالفشل. وثبت ان ما نجح منها كان دائما برعاية اقليمية او دولية او وساطة. ماذا تتوقع لمؤتمر الحوار الدائر حالياً النجاح أم الفشل أم نصف نجاح ونصف فشل؟

اجاب المرجع الاسلامي الابرز:

"من الطبيعي جداً أن يأتي هذا المؤتمر بعد الحرب الكلامية السياسية التي استطاعت أن تؤسّس مناخاً لبنانياً انعكس بشكل سلبي على الساحة الشعبية الميدانية حتى خُيل للناس ان الحرب على الأبواب. وهكذا رأينا كيف ان العناوين التي طُرحت كانت عناوين حادة بالطريقة التي كان كل فريق يتبنى واحداً منها يوحي انها العناوين التي لا يمكنه ان يتنازل عنها مهما تكن النتائج.

لذلك فان هذا الاجتماع لهذه الاطراف كلها ربما كان ايجابياً من خلال إعطائه نوعاً من الايحاء أنه من الممكن لهؤلاء أن يتحدثوا مع بعضهم البعض بطريقة عقلانية قد تكون حاسمة في إعطاء كل واحد وجهة نظره، ولكنها في الوقت نفسه تعطي نوعاً من أنواع الحالة الشعورية التي قد تُثير بعض الحميمية على المستوى الشخصي.

إن دراسة عناوين الحوار من خلال الخلفيات السياسية لكل فريق من هؤلاء لا تعطي الإنسان أملاً بأن ينتهي الحوار الى النتائج الحاسمة حيث يمكن ان يصدر بيان يتحدث عن الوفاق حول بعض القضايا الحساسة. وهو ما لاحظناه حين تحدث المتحدثون عن "مزارع شبعا" فانطلق كلامٌ لدى بعض الفرقاء الذين كانوا يعتبرون "مزارع شبعا" غير لبنانية بشكل حاد، فكانت التصريحات أنه لم يكن هناك إجماع في الوقت الذي تحدّث فيه المتحاورون عن إجماع حول هذه المسألة واختلاف حول كيفية تحريرها، هل بالمفاوضات؟ ام بالمقاومة مثلا؟

عندما ندرس هؤلاء الذين اجتمعوا للحوار "اضاف المرجع الابرز "وندرس خلفياتهم السياسية المنفتحة على أكثر من موقع دولي من دون أن نثير الحديث حول مسألة الوصاية وغير ذلك مما استهلكه اللبنانيون بعد خروج سوريا وانتهاء الوصاية السورية باستبدالها بوصاية دولية اميركية وفرنسية نعرف ان بعض هؤلاء يرتبط ارتباطاً أشبه بالارتباط العضوي بالسياسة الاميركية او الفرنسية لأنه يعتبر ان هذه السياسة قد تخدِم لبنان وقد تمثل مساعدة للبنان وليس سقوطاً للبنان تحت تأثير هذه الوصاية أو هذه التدخلات مثلاً في هذا المجال. مما يجعل هناك نوعاً من الهوة بين هؤلاء الذين يؤكدون على الالتزام بالقرار 1559 ولا يتحمسون لأي موقف ضد اسرائيل وإن كانوا يستهلكون بعض الحديث حول إسرائيل لكنك تشعر أن هناك بين كلمة واخرى ايحاءات كثيرة قد تقول إن اسرائيل ليست هي العدو بالمعنى السياسي او الأمني وان اسرائيل بعد التحرير أصبحت مُسالِمة للبنان وان هذه الخروقات التي تحصل بين يوم وآخر إنما هي من باب الدفاع عن النفس لأن المقاومة تهدد اسرائيل وتتحرك في ما يسمى بتوازن الرعب.

عندما ننطلق من منطق المقاومة بكل ادبياتها ومنطق القرارات الدولية التي يلتزمها فريق آخر ترى سواء بالصراحة التي تعبر عن الموقف بشكل واضح او بطريقة اللعب على الألفاظ اختباء حول بعض المواقف مما يحاول البعض أن يتحدث بطريقة وبأخرى مع المقاومة، وليس مع المقاومة على الطريقة اللبنانية في إدارة المسألة".

واضاف المرجع الابرز: "عندما تنطلق بعض المسائل الحادة كقضية الرئاسة من جهة او بعض الأمور في موضوع العلاقات بين سوريا ولبنان لأن الطريقة التي أدير بها الموقف ضد سوريا وامتدت بعد ذلك حتى اربعة عشر (14) شباط، لم تكن الطريقة التي يمكن ان تطل على علاقات طبيعية أو مميزة بين سوريا ولبنان لأنها تخلق جروحاً سواء على مستوى القيادات السورية او الشعب السوري ومما يجعل من الصعوبة جداً ايجاد علاقات مميزة يمكنها ان تحقق العناوين التي يتحدث عنها الناس من قبيل انشاء السفارات أو قضية ترسيم الحدود أو ما اشبه ذلك.

اتصور أنه حتى "المساعي العربية" أو "المبادرة العربية" من الصعب جداً ان تعيد الأمور إلى نصابها الطبيعي بين البلدين. قد تخلقُ نوعاً من الهدنة أو غير ذلك ولا سيما أن هناك جهات دولية تبقى تحمّل سوريا المسؤولية على مستوى إتهامها بأنها تعطل التحقيق في قضية إغتيال الرئيس الحريري أو أنها تتدخل في الشؤون اللبنانية دون تقديم أية حجج او براهين في هذا الموضوع مما يجعل المسألة في داخل لبنان لدى الذين لا يوافقون هذا الفريق على نظرتهم الى الموقف السوري حيث يجعل هناك نوعاً من الجدال والإثارة بأن لجنة التحقيق لم تحكم على سوريا وإن أثارت بعض الضباب حولها فكيف يمكن تحميلها بشكل قطعي مسؤولية اغتيال الرئيس الحريري أو غير ذلك.

إننا عندما ندرس كل هذا الواقع وندرس أيضاً موضوع الرئاسة في تعقيداته سواء التعقيدات المارونية الدينية التي تتحدث بلغة ملتبسة يحاول كل فريق أن يفهم منها شيئاً يختلف عما يفهمه الآخر. وهذا النوع من الجدال حول المسائل القانونية وقضية العرائض الممثلة لحالة انفعالية لا تقترب من الجوانب القانونية... نرى ان هذا الحوار سوف ينتهي إلى هذا المناخ الشعوري ولكن من الصعب جداً ان ينتج قراراً سياسياً يتلى على الناس بطريقة وبأخرى. ولكن من الممكن جداً إذا شعر المتحاورون أنهم لم يستطيعوا الاتفاق على شيء محدد فإنه من الممكن ان يشكلوا لجنة متابعة ونحن نعرف ان اللجان هي مقبرة المشاريع".

قلت ان فريقاً لبنانياً كان له التزام عضوي لفرنسا واميركا. وتحدثت عن المقاومة على نحو يثير غياب التزام خارجي عندها. وهناك لبنانيون يقولون ان المقاومة ملتزمة عضوياً ايران الاسلامية وسوريا، وانا هنا لا اساوي بين الفريقين الدولي من جهة والعربي – الاسلامي من جهة اخرى. وتحدثت في الجواب نفسه عن خلاف لبناني – لبناني حول اسرائيل بمعنى ان بعض اللبنانيين يتعامل معها كأنها ليست عدوا او كأن هناك حال سلام معها. انا لم اسمع احدا من السياسيين في لبنان يدافع عن اسرائيل في معرض اثارته موضوع سلاح المقاومة او يقول ان المقاومة هي التي تستدرج اسرائيل الى الضرب وخرق المجال الجوي وغيره. ان ما حصل في لبنان خلال سنوات الحروب وسنوات اللاسلم واللاحرب التي تلت احدث تغييراً مهما في العقلية اللبنانية وخصوصاً في موضوع اسرائيل. هناك محاولة دائمة من المقاومة ("حزب الله") وحلفاء سوريا لاتهام كل من ينتقد المقاومة ويطالب بتطبيق القرار الدولي 1559 او ينتقد سوريا انه اسرائيلي. ما هو تقويمك لذلك؟